اعتبارات تحقيق الأدوار المرتقبة لـ"الغرفة" (3- 3)

 

 

◄ يتعين إزالة المعوقات التقليدية التي تواجه نمو القطاع الخاص من خلال التصدي للمشاكل الرئيسية لجميع عوامل الإنتاج

 

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

 

ثمّة مشكلة واضحة تتعلق بضعف أداء القطاع الخاص في سلطنة عُمان على صعيد النمو والتنمية؛ فالقفزات التنموية المُحقَّقة في القطاعات المختلفة لم يصاحبها تطور وتعزيز لقدرات شركات القطاع الخاص الذي ظل معتمدًا على الاستيراد، والعمالة متدنية المهارة، والمناقصات الحكومية، ويعزى ذلك إلى بعض المعوِّقات الأساسية التي يعلمها المطلعون على هذا الملف.

ومن ثم، فإنَّ فهم هذه المعوقات والتصدي لها بالسياسات اللازمة، يستلزم بالضرورة وجود تنسيق تام بين 3 جهات؛ هي: الحكومة، وشركات ومؤسسات القطاع الخاص ممثلة في غرفة تجارة وصناعة عمان، والمجتمع. وحتى يتحقق ذلك، فإنه يتعين إزالة المعوقات التقليدية التي تواجه نمو القطاع الخاص، بالتصدي لحل المشاكل الرئيسية التي تواجه جميع عوامل الإنتاج، ودعم القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، والاعتراف بأن تنمية القطاع الخاص تتطلب تنمية مؤسسات متعددة ذات صلة بالتمويل والعمل والتنظيم والتجارة، إضافة إلى تراكم المعرفة الفنية الخاصة بعملية الإنتاج والتسويق.

ومهما كانت النوايا صادقة والشعارات لامعة فيما يتعلق بالأدوار المرتقبة لغرفة تجارة وصناعة عمان، إلّا أنه بدون التمكين الحقيقي من الحكومة وإفراد مساحة ومرونة كافية لمجلس الإدارة الجديد للغرفة كي يتحرك لتوحيد الجهود وحشد الهمم، فلن تنجح المساعي، ولن تتحقق الآمال المعقودة للنهوض بقطاع الأعمال والاقتصاد العماني بشكل عام. وهنا نذكِّر بأننا أمام استحقاقات جديدة تستوجب إنضاج القناعات الرسمية بأننا نعيش في حقبة جديدة وعالم متسارع التغيير، وأن الأدوات والسبل التقليدية في التعامل مع الغرفة وشركات القطاع الخاص، لن تحقق النقلة النوعية المنشودة، وأن التجارب العالمية والأدبيات سطّرت دورا واضحا للحكومات، يتمثل في تهيئة الأطر والقوانين؛ بما يضمن توفير ظروف ملائمة لمؤسسات الأعمال في القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد؛ للقيام بالأدوار التي تستجوبها المرحلة.

ونحن في عُمان أمام مرحلة تستوجب توليد فرص عمل تصل إلى 50 ألف وظيفة سنوية لأبناء وبنات عُمان، ولن تستطيع الحكومة مفردها توليدها. ومن جانب آخر، فإنَّ رؤية المستقبل "عُمان 2040" تنادي بعناوين الإنتاج والتصنيع والاستثمار والتصدير وهي عناوين وساحات القطاع الخاص وليست للحكومة.

ونؤكد هنا أن نجاح رؤية "عُمان 2040" والبرنامج الوطني للتشغيل وبرامج التحول الرقمي والتنويع الاقتصادي وجذب الاستثمارات والاستدامة وتطوير القطاع المالي، كلها مرهونة بدرجة كبيرة بمدى تفعيل دور شركات القطاع الخاص ومشاركتها الفاعلة في تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في قطاعات التنويع؛ لتوليد فرص العمل ورفد الموازنة العامة بالإيرادات اللازمة. أما إذا ظلّت الأدوار كالسابق، ستكون النتائج كما كانت، ويبقى الجميع رهن تقلبات أسعار النفط. وهنا الأمر متروك لنا، ويجب أن لا نلوم سوى أنفسنا إذا تأخرنا في تحقيق التحولات المطلوبة في أنماط الإدارة والإنتاج وتوفير آليات تمكين القطاع الخاص من سياسات اقتصادية داعمة، وتطوير منظومة سوق العمل، ورفع كفاءة النظام المصرفي وأسواق المال، والتأطير لقيام شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، والعمل على تحسين الجوانب التشريعية والتنظيمية والإجراءات، وكل ما سبق لن تستطيع الحكومة منفردةً إقراره دون إشراك فعلي لأطراف الإنتاج وهي شركات القطاع الخاص.

ومن المأخوذ علينا في القطاعين العام والخاص محدودية القدرة على اغتنام واقتناص الفُرص، التي تخلقها المُتغيرات الإقليمية والدولية المُتسارعة (مثل: إكسبو دبي وكأس العالم وغيرها)؛ الأمر الذي يحتاج إلى تعزيز الخبرات والكفاءات في القطاعين، بحيث تمتلك هذه الخبرات الجرأة في اتخاذ قرارات حاسمة، وتتمتع بالقدرة على استشراف المستقبل والتمهيد بوقت كافٍ، والأخذ بأسباب النجاح، من خلال دراسة الأسواق المُستهدفة، والقواسم المُشتركة بينها وبين الاقتصاد العُماني. وهنا يتوجب علينا أن نحدد بدقة ماذا تحتاج عُمان؟ والعكس صحيح؛ فهذه قضايا لا يتم التعامل معها بالتمنِّي، وإنما بتوفير أرقام وإحصاءات ودراسة تأثيرات ذلك على رجال الأعمال والمُتعاملين والفوائد والمكاسب المُرتقبة.

الغرفة ومجلس إدارتها الجديد مطالبٌ بترتيب أوراق القطاع الخاص المبعثرة، وتغيير النموذج القائم على التجارة والاستيراد والعمالة الوافدة، إلى نموذج قائم على الإنتاج والتصنيع والتصدير والعمالة الوطنية. وعلينا في المجتمع من أفراد وأُسر تبني قيم وثقافات يأتي على رأسها ريادة الأعمال والعمل بالقطاع الخاص وقيم الادخار والاستثمار، والتي تختلف عن تلك السلوكيات الريعية التي كرَّستها الثروة النفطية؛ كالاتكالية والاعتماد على الغير. وعلينا جميعًا حكومة ومجتمعًا وشركات، العمل سويًا على تغيير الصورة النمطية بأن الاقتصاد العماني يعاني من البيروقراطية وضعف تسويق الفرص الاستثمارية.

وختامًا.. نقول إنَّ التوقع الإيجابي لمسار الأعمال في السلطنة أمر ضروري ومبني على ما تزخر به من مكامن قوة وموارد وفرص وإنجازات في مختلف المجالات، وأن معادلة تحقيق الرفاه واستدامة التنمية أمر في المتناول ويستوجب إعادة ترتيب الأدوار والأُطر المعمول بها، وعدم إغفال أدوار مهمة لغرفة تجارة وصناعة عُمان؛ ليتسنى انتقال الجميع إلى آفاق أرحب من التنمية في المرحلة المقبلة، والتي تحمل في طيّاتها مقاربات مختلفة تمامًا عن تلك التي استندت عليها نهضتنا في العقود الخمسة المنصرمة.