صناعة الترفيه في عُمان

 

أحمد الرحبي

نهاية الأسبوع، أو العطلة الأسبوعية في آخر أسبوع عمل، مُكافأة مُستحقة للموظف والعامل والطالب، ولكافة أفراد المجتمع، بعد جهود وأعباء ومهام التزموا بها طوال الأسبوع، في خدمة مجتمعهم، والسعي المثابر لتحقيق أهداف الرقي به إلى الأفضل.

لكن تبقى هذه المكافأة منقوصة، وبلا قيمة ولا فائدة منها، إذا لم ترتبط بالترفيه بمعناه الحقيقي الذي يجعل من إجازة الموظف والعامل والطالب- عدا كونها إجازة تكسر الروتين الأسبوعي الممل- إجازة ترتبط ببرنامج حافل بالمتعة والابتهاج، تُتيح قضاء آخر الأسبوع، بعيدًا عن شكوى السأم، والتأفف الدائم بأن لا مكان تذهب إليه لقضاء إجازتك، وأن كل الأماكن متشابهة، لكونها مملة خالية من الترفيه والمتعة.

ويدخل تحت تعريف الترفيه كل الأنشطة الترفيهية التقليدية كالألعاب والرياضة والفنون والعروض الأدائية كالمسارح ودور السينما والأنشطة الثقافية، من ندوات ومعارض كتب، إضافة إلى المدن الترفيهية المرتبطة بالمتعة والتسلية للقاعدة العريضة من الجمهور العام؛ ففي المجتمعات المدنية يُعد الترفيه جائزة أو مكافأة ينالها أفراد المجتمع وتتوفر لهم في كل لحظة وحين، وليس فقط في نهاية الأسبوع؛ حيث إنَّ التخصصية في المجتمعات المدنية، تميز طابع المساهمة في خدمة المجتمع وتطويره؛ لذلك يصبح الترفيه بحكم الجائزة المستحقة للجميع في المجتمع، نظير جهود وأعباء متواصلة من العمل لخدمة المجتمع والارتقاء به إلى الآفاق المستقبلية المرجوة.

وعند اعتبار الترفيه جائزة مستحقة لأفراد المجتمع- كما أسلفنا- فمن حق الجميع في المجتمع أن يتمتع بها، ولا بُد عندئذٍ من النظر إلى الترفيه على أنه صناعة تقوم على استثمارات قوية تُضَخ فيها رؤوس أموال كبيرة، وتساهم فيها مؤسسات وشركات كثيرة، كل ذلك بدافع الربح الوفير الذي تدره هذه الصناعة؛ فصناعة الترفيه من أكثر الاستثمارات الرابحة في العالم؛ حيث تتميز هذه الصناعة بنمو متعاظم؛ سواء في أرباحها، أو في توسع أنشطتها وتمددها في معظم مدن العالم. كل سكان المدن في العالم- نظرًا لطبيعة الحياة التي يعيشونها في خضم دوامة من العمل الملتزم بالوقت، الذي يكاد يسرقهم من أنفسهم، واللهث المستمر وراء الأهداف والطموحات- يمثل الترفيه بالنسبة لهم استراحة محارب من لحظة لهاثٍ، تتلوها لحظة لهاث أخرى، ولهاث يتواصل في دوامة لا تنتهي!

وعند الحديث عن الترفيه في المجتمع العماني وهو يعتبر مجتمعا فتيا، ينشد أفراده المتعة والترفيه والتسلية مثل كل المجتمعات في العالم، لا نجد برامج وفعاليات للترفيه في السلطنة بأي شكل كان، فعدى تزاحم الناس، في الشواطئ، وفي الحدائق والمتنزهات العامة في مدينة مسقط، وهي خالية من أي نشاط ترفيهي، وهي حدائق ومتنزهات ذات أعداد قليلة، مقارنة مع مساحة المدينة والكتلة السكانية الكبيرة التي تقطنها، عدا ذلك لا يوجد متنفس لسكان المدينة، هذا إذا لم نعتبر التزاحم في المولات والمراكز التجارية نوعًا من الترفيه، وإن اعتبرنا الحج إلى هذه المولات والمراكز التجارية شيئًا من الترفيه، فهو ترفيه استهلاكي مُعلَّب- إذا جازت العبارة- بعيدًا عن المتعة والتسلية المفتوحة التي ينشدها الجميع.

وتوفير برامج وفعاليات ترفيهية تجارية لآخر الأسبوع، ولكل أيام الأسبوع في الحقيقة، أصبح مطلبًا مهمًا.. مطلبٌ تتطلع كل شرائح المجتمع العماني، لأن يكون حقيقة على أرض الواقع؛ فالمجتمع بكل أفراده العاملين والمرتبطين بأعباء ومهام العمل والوظيفة طوال الأسبوع، ينتظر مكافأته كأي مجتمع مدني يلهث في أغلب الوقت خلف دوامة العمل والإنتاج، والسعي خلف تحقيق الأهداف.

والاستثمار في مشاريع الترفيه وتنظيم البرامج والفعاليات الترفيهية في السلطنة، استثمار مُربح للغاية، خاصة حين يتوفر له المستثمرون الجادون والمثابرون من القطاع الخاص، ومع ضخ رؤوس أموال كافية لخلق بنية تحتية للترفيه، تشمل كافة المناطق في السلطنة، تستجيب لتطلعات كافة شرائح المجتمع لقضاء وقت الإجازات في متعة وتسلية، تجعل من الإجازة مكافأة حقيقية يتشاركونها مع الأهل والأقارب والأصدقاء، في سعادة وحبور.

ومنذ سنوات كان الاتجاه لوضع خطط واستراتيجيات لتطوير السياحة في السلطنة، وخلق تنمية مستدامة للقطاع السياحي، ومع أن المأمول، قليل ولا يكاد يذكر، مقارنة بهذه الخطط والاستراتيجيات، المعلن عنها، فإننا نجد أن أنسب تطوير لقطاع السياحة في عُمان، خلق صناعة حقيقية للترفيه وبمعايير تخلط ما بين المحلية والعالمية في السلطنة؛ حيث يساعد ذلك على قطع نصف المسافة إلى تحقيق هدف السياحة في السلطنة كصناعة تشكل رافدا كبيرا للاقتصاد العماني؛ إذ إنَّ خلق بنية أساسية للترفيه، ببرامج وفعاليات تعكس ثقافة المكان، إضافة إلى المقومات الطبيعية المتميزة للأرض العمانية، والسمات الحضارية والثقافية والاجتماعية للمجتمع العماني، كل ذلك يجعل من السياحة في عُمان علامة تجارية ناجحة، بعيدًا عن كونها مجرد خطط واستراتيجيات، الوعد بها، حتى الآن لم يحقق المأمول منها.