أهازيج وأحاديث نوفمبرية

 

نور بنت محمد الشحرية

 

نوفمبر شهر الفرحة والفخر لكل عُماني، شهر استرجاع واستعراض المنجزات التي تحققت على أرض الواقع، لقائد قوي عزيمة، ذي إرادة صلبة، حول وطن واقعه كالخارطة الصماء، مجرد تضاريس وطبيعة سهول وجبال إلى دولة مؤسسات ومنجزات ومن شعب قروي بسيط إلى مجتمع مدني مُتعلم ومتطور، أعاد عُمان إلى موقعها في مسار الأمم وهدفه أن تغدو في مصاف الدول كما كانت، واعدا شعبه أن يعمل سريعًا لأجل ذلك.

وتمكن بحنكته أن يزيل أسباب الشقاق والفتن، والتف الجميع حوله واصطفوا وراء بعضهم البعض، كتعاونهم في حرفهم ومهنهم وأمور معيشتهم سابقًا.

تحتار فيمن تعجب أكثر! بقائد اعتمد وآمن بشعب غير مُتعلم، بعضه مشتت وممزق داخلياً ينتمون لوطن عبارة عن أرض تكاد تكون جرداء. أم بشعب سرعان ما توحد صفهم ونما إلى إدراكهم رغم قلة تعليمهم أهمية توحدهم وقيامهم بدورهم الوطني والإخلاص فيه!!

لكنها عُمان وأبناءها قيادة منهم وشعبا، المثل الأعلى والقدوة المثلى لمن عرفهم وسمع عنهم.

تعودنا أن يكون نوفمبر شهر استشراف المستقبل الزاهر، من الخطب التي كنَّا ننتظرها بشغف في العيد الوطني الذي يصادف الثامن عشر من نوفمبر من كل عام، للراحل عنا والباقي فينا ما حيينا، قائدنا ومعلمنا وملهمنا ووالدنا كما يحلو له ولنا أن نناديه حتى استقر في ذواتنا أباً للجميع، والدنا السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أدام الله ذكره على الألسن وسخر له دعوات شعبه وذرياتهم ما أشرقت شمس من مشرقها.

قدر لسلطاننا قابوس الرحيل وهذا أمر الله ولا راد لأمره، ولربما لو أعطي عمرا كعمر النبي نوح عليه السلام لشعرنا أنَّه رحل سريعا كأي غال على كل شخص، وقدر لنا الله عوضا جميلا إنه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي حمل الراية متعلقاً بذات الغاية، ماضيا قدما بكل حكمة وحنكة معهودة لسلاطيننا الأجلاء.

واحتفاء بمنجزات الوطن وامتنانا لسلاطين عُمان نحتفل بالعيد الوطني بكل فرحة وبهجة، وتعم الاحتفالات الرسمية كافة أنحاء الوطن، فهي فرحة وطن بأكمله بني بسواعد أبنائه وتضحياتهم مع قادتهم بامتثالهم لأوامرهم بالسمع والطاعة في المنشط والمكره.

ومن بداية نوفمبر تتوالى أفراح الصروح العلمية بوطننا الغالي بتخريج دفعات من طلبة جميع الجامعات والكليات بالسلطنة، ويشارك من هم خلف الشاشات الخريجين وأهلهم فرحة تخرجهم، وعبارات امتنانهم، ورغبتهم في رد الجميل لوطنهم وقيادته في البناء والتعمير، عبر شغل وظائف تليق بالمبالغ التي صرفت عليهم لتعليمهم، وبالجهد الذي بذلوه، وبالأرض المعطاء التي تتوق لسواعد أبنائها.

وبين الفرحة والتمني واقع اقتصادي قد لا يسمح بذلك وبالنظر إلى مدرج مسرح وقاعة كل جامعة وكلية على حده ندرك حجم المشكلة، إذا تخيلنا أن ذاك العدد لكلية واحدة، فما بالنا بأعداد كل الكليات لعدة سنوات، وإضعافهم ممن لم يتم قبولهم بسبب انخفاض نسبهم بالدبلوم عن نسب القبول بالجامعات والكليات.

ويزداد الألم عند إدراك المشكلة إذا فهم الواحد منَّا المؤثرات الخارجية والداخلية تبعا لها على الاقتصاد الوطني، لنتفهم أن حلحلة قضية الباحثين عن عمل تحتاج لما يشبه المعجزة، لن تتأتى إلا بالصبر؛ فالمعروف أن من أهم عوامل ازدهار أي حضارة وبقائها واستمرارها مرتبط ارتباطا وثيقا بالعامل الديمغرافي (السكاني).

وتجمع الحقائق العلمية والبحثية على أن التحديات والمتغيرات الاقتصادية لها تأثير عميق على الروابط الأسرية بين أفرادها والوضع المالي للأسرة يؤثر على مستويات عديدة تتصل بالنمو الجسدي والذكاء والنجاح المدرسي والتكيف الاجتماعي.

إذ إنَّ توفر متطلبات الأسرة يضمن لها تنشئة اجتماعية سليمة، مما يشعر أفرادها بالأمن والطمأنينة وهو الأمر الذي يُسهم في تقوية وتماسك الأسرة، والمعروف أن مخرجات الأسر هو ما يكون المجتمع.

وما خلص إليه رجال الاقتصاد وعلماء الاجتماع نتيجة عدة دراسات، أن الأسباب الرئيسية والأولية للانحرافات المجتمعية تنبع من العوامل والقوى الاقتصادية في المجتمع وتم الإجماع على أنَّ معظم المجتمعات الحديثة تقوم حول أيدولوجية اقتصادية أساسية، وأن فشل النظم التكنولوجية والاقتصادية في القيام بوظائفها والعجز عن ضبط النشاط الاقتصادي مسببات رئيسة للمشكلات الاجتماعية.

ناهيك عن التبعات التي تتحملها بعض الجهات الخدمية نتيجة لتأثر الصحة الجسدية والنفسية لمن يقعون تحت التأثير المباشر للأزمات الاقتصادية ووزارات التعليم العالي والتربية تتحمل أعباء إعادة بعض الطلبة لسنواتهم الدراسية، والجهات الأمنية والسجون تتحمل بدورها أيضًا ما يقع على عاتقها جراء الأزمات المالية لدى بعض المواطنين.

وكيف للاقتصاد أن ينهض بالمستوى المؤدي للرفاه المالي وهو بين ثالوث تكدس الباحثين عن عمل ومسرحين من وظائفهم وقروض بنكية، الثالوث الذي قصم فرحة الكثيرين بأي منجزٍ.

وهو ما يتخوف منه أن ينشر الإحباط المجتمعي، وما الإحباط إلّا مجموع مشاعر مؤلمة تنتج عند وجود عائق ما، يحول دون إشباع حاجة عند الإنسان أو حل مشكلاته.

وقد يغدو الإحباط ظاهرة إن لم يلتفت إليه بحلول ناجعة، وذلك لتفشي الشعور به وعدوى انتشاره بين العوام وسببه ضعف الثقة في إمكانية تغيير بعض القضايا المستمرة دون بوادر حل معتبرة، وإن لم يكن الفرد يعاني مباشرة من الوضع الاقتصادي العام، إلا أننا مجتمع الجسد الواحد، إذا اشتكى منَّا فرد هناك تألمنا نحن هنا.

ينظر الجميع إلى ما قد تم إنجازه في الجهاز الإداري للدولة من تغييرات وإعادة هيكلة بعين الرضا والتقدير، لربما بعض القطع التي لم تعط بالاً في المكينة التشغيلية هي التي بحاجة إلى استبدال.

ربما يحتاج للتغييرات في الجهاز الإداري للدولة أن تنزل هرميًا أكثر، على هيئة تدوير إداري ووظيفي، أو تقديم برامج تطويرية أكثر، للخروج بحلول للمعوقات، كون التغذية الراجعة من أسفل الهرم إلى أعلاه هي ما يبنى عليها القرارات والتوصيات.

لن يكون العُماني اليوم أقل ولاء من سابقيه ولا أقل تضحية منهم فداء للوطن والعزم على الرفعة به وهو ينعم بخيرات بلاده ويراه شامخًا بين الدول، وما بينه وبين الغد المشرق إلا ما يعد بالنسبة -لاثنين وخمسين عاما- صبر ساعة.

تعليق عبر الفيس بوك