برنامج الشركات الناشئة العُمانية الواعدة

 

مسلم سعيد مسلم مسن

عقدت اللجنة الإشرافية لبرنامج الشركات الناشئة العمانية الواعدة اجتماعها الأول بتاريخ 10 نوفمبر 2022، برئاسة صاحب السمو السيد بلعرب بن هيثم آل سعيد وعضوية بعض الجهات المعنية، ولا شك أن البرنامج مهم للغاية في النهوض بهذا القطاع الذي أصبح محركاً لنمو الاقتصاديات الناشئة على وجه التحديد، ومن الجيد الاهتمام به محليا ومتابعة تطويره وترقية منظومته القائمة على عناصر الابتكار والتقنية المتقدمة في شتى المجالات.

في البداية، لابُد من الاتفاق على مصطلح للشركات الناشئة، تكون محدداته واضحة يمكن الاتكاء عليها لتحديد طبيعة المؤسسات المستهدفة من حيث مظلة السياسات والبرامج؛ فالعديد من الأدبيات متوافرة ولكن تحديد نوعية المؤسسات التي نقصدها على المستوى المحلي مهم جدًا وضروري للغاية. المرة الوحيدة التي صادفتُ فيها تعريفًا للشركات الناشئة ما ورد في موقع هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حول 100 مصطلح ريادي، فقد عُرِّفت على أنها "الشركة التي تنشأ كمشروع أعمال مؤسس حديثًا يهدف لتلبية احتياجات السوق أو حل مشكلاته عن طريق تطوير نموذج أعمال قابل للتطبيق على المنتجات أو الخدمات أو العمليات أو المنصات قابل للتوسع". إضافة إلى مصطلح آخر متقدم من نفس المصدر، ألا وهو الشركات الناشئة المرنة (lean Start-up) وهي الشركة الناشئة التي يمكنها أن تطرح جملة حلول رائدة وليس حلًا واحدًا، وذلك حسب احتياج السوق.

في الحقيقة، تبقى هذه التعريفات غير مكتملة من عدة نواحٍ؛ أهمها: تحديد رأس المال، والتمويل، والعمالة، والتقنية، ونوعية الريادة المطلوبة، أي بالمجمل ما يميزها عن بقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حتى يستطيع المنفذون وصانعو السياسات والممولون القيام بالتركيز المطلوب لتعزيز سلاسل قيم قطاع الشركات الناشئة وبلوغ الغايات الوطنية. بعض الأدبيات من خلال مقال في موقع ماكينزي بعنوان "إطلاق النمو في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة" (Unlocking growth in small and medium-size enterprises) حدَّد طبيعة الشركات الناشئة ووصفها بأنها كيانات تشكل مصدرا هاما من مصادر الابتكار وذهب بعيدا في تحديد أنواعها وأولويات ودوافع تأسيس هذه الكيانات وحاجة السوق لها.

وتتوسع بلا شك هذه الأدبيات وتتطور؛ فمجال الشركات الناشئة ديناميكي يعتمد على الأفكار المستقبلية المبتكرة ويتواكب مع مجالات وقطاعات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وتقنية المعلومات، وكل هذه المجالات تحتاج إلى نماذج أعمال فعالة تعتمد عليها تلك الشركات لتحقيق التنافسية المطلوبة. وحري بالمُؤسسات الحكومية أن تواكب هذا النمو وهذا التعقيد في نماذج تطوير أعمال الشركات الناشئة حتى تستطيع أن تساهم في توفير البيئة المناسبة من الناحية الاستثمارية والتشريعية وتذلل كل التحديات التي تواجه نمو هذا القطاع.

الجهد القائم على المستوى المحلي مقدَّر ولكن الطموح والمساحة المتاحة للتطوير لازالت واسعة في هذا المجال، وهذا ما نحسبه منطلقًا محوريًا واستراتيجيًا لهذا البرنامج (الشركات الناشئة العمانية الواعدة). وربما من المهم أيضًا ربط هذا المنطلق بالمؤشرات الحالية للشركات الناشئة للاقتصاد الوطني ومجالات تعزيزها وتحسينها؛ بما يخدم مساهمة الاقتصاد المعرفي والتقني ويخلق قاعدة تنويع تعضد من جهود التنويع الاقتصادي على المستوى الكلي.

عند مراجعة نتائج مؤشر الابتكار العالمي، تحتل سلطنة عمان المركز 45 في تمويل الشركات الناشئة في 2022، وهو مركز جيِّد كون هذا المؤشر مستحدث في التقرير المشار إليه، وفي مؤشر بيئة الأعمال حصلت على المركز 46، بينما أحدث تقرير لمؤشر الازدهار والرخاء العالمي (2021) الصادر من معهد ليغاتوم يشير إلى أن الاقتصاد الوطني أمامه مساحة واسعة لتطوير ريادة الأعمال في العديد من المؤشرات الفرعية مثل: المنافسة في السوق المحلي، عبء القوانين والتشريعات، تشوه الأسعار. وعند التعمق في الموقف الفعلي لقطاع الشركات الناشئة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا نجد تصاعدا في أرقامه ومؤشراته رغم كل الظروف الاقتصادية الكلية، فحسب شركة "ومضة" (شركة مرخصة ذات نشاط استثماري تعمل على تسريع البيئة الحاضنة لريادة الأعمال في مجال التكنولوجيا والتقنية في المنطقة)، وصل إجمالي استثمارات الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى نهاية أكتوبر 2022 حوالي 3 مليارات دولار في 551 صفقة، وتصدرت الإمارات والسعودية ومصر أغلب قيمة هذه الصفقات، كما توجهت معظم هذه الاستثمارات لقطاع التكنولوجيا النظيفة، يليه التكنولوجيا المالية، وقطاعات التجارة الإلكترونية، التكنولوجيا الغذائية والصحية.

لا شك أن مشوار النهوض بقطاع الشركات الناشئة العمانية الواعدة- على ضوء نتائج التقارير السابقة ومستهدفات رؤية "عُمان 2040"- يحتاج تضافر الجهود نحو تعزيز السياسات والبرامج وتهيئة ظروف بيئة الأعمال لخدمة هذا الغرض، ونعتقد في نهاية هذا المقال بأن مجالات التطوير التالية لابد من التركيز عليها:

  • السياسات والبرامج: لابُد من تعريف يشتمل على جميع محددات "الشركات الناشئة" الذي نستهدفه محليًا، بعد ذلك يمكن أن يعوَّل الكثير على تسريع سياسات وبرامج تطوير قطاع الشركات العمانية الناشئة في مجالات التكنولوجيا والتقنية وتكاملها مع المؤسسات التعليمية والتمويلية على المستوى الكلي. وهذا يحتاج إلى برامج تنفيذية تترجم تلك السياسات وتعكسها لتعزيز مهارات النشء وتوفير بيئة أعمال حاضنة للابتكارات التقنية وروادها مع أهمية استدامة هذا التوجه على مستوى السياسات، وبالتالي بناء القدرات على المديين المتوسط والبعيد لأنها القاعدة التي يمكن أن تستند عليها مساهمة الشركات الناشئة في الاقتصاد الوطني وأحد الأهداف الرئيسية لقيام اللجنة الإشرافية لبرنامج الشركات الناشئة العمانية الواعدة.
  • تأسيس مراكز/ مدن للشركات الناشئة: بعض الدول بادرت نحو إنشاء (start–up hub) عبر تحويل بعض النطاقات الجغرافية كمعاقل للشركات الناشئة بما يتطلب ذلك من نظام متكامل وخدمات من ناحية الإجراءات والتمويل والتدريب والتسويق (مسرعات+ حاضنات). المفترض أن يكون ناتج كل هذا الجهد تحسين مساهمة الشركات الناشئة غالبًا في قطاع التكنولوجيا في نسب التوظيف وفي الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية.
  • تنويع صيغ التمويل: تعددت أنواع التمويل الممنوح للشركات الناشئة على مستوى المنطقة، ولكن يغلب عليها سمة التمويل الجريء، وهذا طبيعي جدًا، الجديد في الموضوع ظهور أدوات وصيغ تمويلية يمكن أن تكون خيارات عملية إذا ما وجدت التأطير القانوني المناسب مثل: منصات التمويل الجماعي يمكن أن تسهم في تفعيل العديد من المشروعات الناشئة، إن إطلاق منصات تمويلية مرخصة- إيجاد تشريع- يمكن أن يكون له مشغلين من القطاعين العام والخاص، تتيح للأفراد عرض أفكارهم عبر هذه المنصات بهدف إيجاد ممولين. هناك العديد من الدول التي طورت نظام التمويل الجماعي القائم على القروض. كما إن التخصصية والتكامل بين التمويل الحكومي والخاص أمر مهم للغاية. بعض التجارب الدولية مثل التجربة الكورية تنبهت إلى أهمية أن يقوم التمويل الحكومي بتحفيز رؤوس الأموال الجريئة لإنشاء شركات ناشئة، فمن ضمن السياسات التمويلية الواضحة تفادي مزاحمة القطاع الخاص في هذا الجانب. كل ذلك بطبيعة الحال يحتاج إلى رعاية من كيان جديد أو تطوير كيان قائم يقوم بالدور الحكومي المتجدد لدعم سياسات التمويل المبتكر والتكاملي لنمو قطاع الشركات العمانية الناشئة، والذي لابد وأن يتواكب وينسجم مع مستقبل مساهمة هذا القطاع ومسيرة تطويرة. كما إن التجارب الدولية تشير إلى أن 40% من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (أغلبها ناشئة) على الأقل لا تحصل على تمويل بنكي عندما تطلبه، هذا يقود إلى ضرورة تفعيل شرائح تأمين القروض (حكوميا أو بالشراكة مع القطاع الخاص) لتفادي هذا التحدي، فلا يكفي فقط زيادة أو تنويع صيغ التمويل لأن الإمكانيات تبقى محدودة ومعظم الشركات الناشئة في مراحل النمو والتوسع غالبا تذهب للبنوك.
  • النمو والتوسع إقليميًا وعالميًا: الاستثمار في الشركات الناشئة العالمية الرائدة في التقنية والتكنولوجيا من قبل صناديق وشركات وطنية يجلب خبرة وتقنية فريدة للسوق المحلي وينتقل الأثر مباشرة للشركات الناشئة المحلية، بالأخص عندما يكون الربط عبر توطين الخدمات والاستثمارات وتنويع ملكية الشراكات، تسهيل هذا التوجه له منافع لا تحصى ولا تعد.