مرتضى بن حسن بن علي
تأسست أول غرفة للتجارة والصناعة في عُمان عام 1973، وسوف تحتفل في العام المقبل بإكمال عامها الخمسين؛ كمؤسسة ذات نفع عام، وهدفها الاهتمام بمصالح القطاع الخاص، وتمثيله في المحافل الإقليمية والدولية، وتقديم الدعم للشركات المختلفة، والمساهمة في إنشاء قطاع خاص قوي ومتنامٍ ومنتج، ومشاركة الحكومة في وضع التشريعات والقوانين المساعدة على نهوض القطاع الخاص.
وباستثناء فترات قصيرة لم تتمكن الغرفة من لعب دور كبير في تطوير العمل التجاري كما لم تعط الحكومة أهمية تذكر للغرفة أو تشاركها أو تأخذ رأيها في معظم القوانين التي أصدرتها والتي تؤثر على الحركة التجارية وتطويرها بسبب عدم احتياجها لقطاع خاص قوي ومنتج لامتلاك الحكومة كل ثروات النفط الهائلة، وأيضا بسبب ضعف مجالس إدارات الغرفة في أحيان كثيرة ووجود خلافات عديدة بين أعضائها. وبعد صدور القانون الجديد للغرفة، واقتراب موعد انتخابات جديدة لانتخاب مجلس إدارة جديد في يوم الثلاثاء الموافق 22 نوفمبر 2022 ورئيسًا جديدًا من بين 21 عضوًا، وحيث إن هذه المرحلة تتطلب إيجاد تعاون أكبر وأكثر بين الغرفة والحكومة عما كانت عليه خلال المرحلة السابقة، فإنه من الضروري أن يكون هذا الكيان الاقتصادي شريكا أساسيًا وإستراتيجيا للحكومة في العديد من الملفات والقضايا الاقتصادية المهمة.
تشير تجارب الدول التي حققت مستويات عالية من النجاح في تحقيق رؤاها إلى اهتمام الحكومة بداية بإيجاد قطاع خاص قوي وإنتاجي ومتنامٍ والتحالف معه، واتباع كل الطرق والوسائل والتشريعات لإيجاد بيئة صديقة وجذابة لجذب الاستثمارات الأجنبية، ومن ضمنها قوانين عمل صديقة ومرنة، وإيجاد قوة عمل عالية التدريب والإنتاجية وتتمتع بأخلاقيات عمل عالية. ولكي تنجح الغرفة فإنه من المهم أن تسفر الانتخابات القادمة عن انتخاب مجلس إدارة قوي ومنسجم ويكون الرئيس ومجلس الادارة قادرين على تحمل المسؤولية ومتمتعين بتجارب خصبة ولديهم الخبرة في قطاع الأعمال والإمكانيات الشخصية والعملية والعلمية لمواكبة المرحلة المقبلة، كما يمتلك الرئيس صفات قيادية وقادر على تمثيل السلطنة في المؤتمرات العالمية، ولا سيما أن السلطنة سوف تكون رئيسة الغرف التجارية الخليجية في العام المقبل. كما من المهم أن تكون الغرفة فعالة في تنمية المحافظات من خلال وجود أعضاء منتخبين في المحافظات المختلفة ومن خلال فروع الغرفة التي من المفترض أن تلعب دورًا أكبر في تنميتها.
إذا كانت الغرفة تريد فعلًا إسماع وجهة نظرها للحكومة، فعلى رجال الأعمال منح أصواتهم لأحسن المترشحين، فالغرفة كيان تجاري اقتصادي ولا بُد أن تكون عابرة ومترفعة عن الانتماءات الضيقة، والغرفة لن تتمكن من تحقيق أهدافها إلا من خلال وصول شخصيات في مجلس الإدارة يتمتعون بالمواصفات المطلوبة التي ذكرناها.
من المهم أن يمنح القطاع الخاص أصواته للأشخاص الأكثر كفاءة من المشرحين الذين سيشاركون في الانتخابات، فهم أمام مسؤولية كبيرة في اختيار الشخصيات المناسبة. لكي تكون قادرة على تحقيق نجاحات وإنجازات جديدة تعيد للغرفة بريقها وقوتها كمؤسسة عامة لها صوتها ومكانتها على كافة المستويات وعليهم الابتعاد عن المجاملات إذا أردنا وصول من يستحق، فغرفة التجارة كمؤسسة وكيان مهم تقع عليها أدوار وطنية ويجب أن يكون لها فاعلية ودور كبير في ترجمة رؤية "عمان 2040"، والتي تعتمد كثيرًا في محاورها على التنمية الاقتصادية، وبالتالي فهي ليست حقل تجارب، وعليها التعاون والتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة والاستثمار ووزارة الاقتصاد ووزارة المالية ووحدة متابعة تنفيذ رؤية عُمان، والعمل لجذب الاستثمارات باتباع كل الطرق والوسائل والتشريعات لجذبها.
التوجه الحكومي من خلال أهداف "رؤية 2040"، هو إيجاد قطاع خاص متمكن يقود اقتصادا تنافسيا ومندمجا مع الاقتصاد العالمي وتعزيز قيم التنافسية، ووضع الأطر المناسبة لها على صعيد القطاعين الحكومي والخاص.
ولتمكين القطاع من أن يقوم بمهمته فلابُد من إيجاد شراكة قوية بين القطاعين الحكومي والخاص وأن يشترك القطاع الخاص بالمساهمة الفعالة في إعادة النَّظر في العديد من القوانين التي تعرقل ذلك وتحد من قدرة القطاع الخاص على لعب دوره المطلوب، كما يعني أن الحكومة لن تسن أي قانون من دون إشراك قوي وحقيقي من القطاع الخاص والاستماع إليه. والغرفة نفسها لن تتمكن من أداء دورها إذا لم تنتخب مجلسًا قويًا، يتمتع أعضاؤه بتجارب عديدة ومنسجم مع نفسه وينتخب مجلس الإدارة رئيسا قويا وذا شخصية كارزمية ويمتلك خبرات متعددة وله حضور قوي لدى القطاعين الخاص والحكومي.
على القائمين على الغرفة- وعلى رأسهم مجلس الإدارة الجديد ومؤسسات الدولة- التعاون معًا في إيجاد حلول للعديد من الأمور التي عجزت عن حلها القيادات العديدة لتلك كالجهات المختلفة ولن يتأتى للقطاع الخاص النجاح والإبداع، إلّا من خلال تعاون تام بين كل هذه الجهات عن طريق إجراء حوار اقتصادي واجتماعي شامل ومستمر.
إنَّ التوجه الاستراتيجي الذي توليه الرؤية لقيام القطاع الخاص بدور الأولوية في إيجاد قطاع خاص قادر أن يقود اقتصادا تنافسيا ومندمجا مع الاقتصاد العالمي وإيجاد الطرق لتعزيز قيم التنافسية، ووضع الأطر المناسبة لها على صعيد القطاعين الحكومي والخاص، تمهد لنهوض اقتصادي يضمن الفرص المتكافئة بين المتنافسين يكون فيه تقديم الأفضل هو المعيار الذي يتم الاحتكام إليه في عملية تحقيق التنمية الاقتصادية، وتعزيز منعة الاقتصاد وقدرته على التكيف مع المتغيرات الإقليمية والعالمية.
كما يتم تطوير بيئة الأعمال وإعطاء القطاع الخاص دور الريادة في تسيير عجلة التنمية الاقتصادية المتوازنة بما يتيح بناء بيئة تنافسية ممكنة للقطاع الخاص لتطوير قطاعات إنتاجية حرة محافظة على المجتمع والبيئة كما يتم العمل على تعميق سوق رأس المال، وتوفير التمويل المستدام اللازم وفق أنماط تمويل مبتكرة لإقامة المشاريع الإنتاجية، وخصوصاً الصغيرة والمتوسطة في ظل وجود عدد من المزايا له.
من المزايا التي تتمتع بها السلطنة، الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يمثل فرصة كبيرة في مجال تطوير الشراكات التجارية وتوسيعها؛ لتكون عُمان محط شراكات استثمارية بين القطاع الخاص العماني ومجتمع الأعمال الدولي من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بحيث تدعم مكانة السلطنة لتكون مركزاً تجارياً عالمياً، كما تعمل الشراكات العالمية بدورها على توسيع القاعدة الإنتاجية لمختلف القطاعات، لا سيما وأنَّ السلطنة تمتلك ثروات كبيرة تمكن الاستثمارات من رفع نسبة مساهمة القطاعات التصديرية في الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة، إضافة لتمتعها بمناطق سياحية جذابة كثيرة تنتظر من يستثمرها.