هي من تصنعك

 

أحمد بن موسى البلوشي

ذكرنا في كتابنا الذي أصدرناه بعنوان "التعلم القائم على السيطرة الدماغية" أنَّ "الدماغ عضو معقد التنظيم في الإنسان، وهو منبع العقل الذي ميَّز به الله الإنسان عن سائر المخلوقات الأخرى، فهو نظام التحكم والقوة المرشدة وراء كل حركات الإنسان المختلفة، فهو بمثابة شبكة اتصالات مُتشعبة لا حدود لها ولامتداداتها، والميزة الجوهرية للدماغ أنه مركز الوعي وجميع الوظائف الذهنية المختلفة التي تتيح للإنسان قدرات التفكير والتعلم والإبداع".

وقد تمكن علماء الأعصاب في السنوات الأخيرة من التوصل إلى بيانات ومعلومات مهمة عن البنية الأساسية للدماغ، ووظائفها، وذلك بفضل ما توفر لديهم من تقنية متطورة مكنتهم من سبر أغوار الدماغ والتعرف على وظائفه، فالجزء الأمامي من الدماغ هو الأكثر اتساعًا مقارنة بالأجزاء الأخرى من الجهاز العصبي، وهو محاط بثلاثة أغشية تغلفه وتحميه، ويقبع داخل تجويف الجمجمة. ويزن الدماغ عند الولادة حوالي (450 غم)، ويتضاعف وزنه خلال السنة الأولى ويصل إلى ما بين (1300- 1400 غم) في مرحلة الرشد. وتقدر نسبة وزن الدماغ إلى وزن الجسم حوالي (%2)، لكنه يستهلك من (20- 25%) من طاقة الجسم. ويستقر الدماغ في تجويف الجمجمة، ووزنه في المعدل لا يتجاوز (1.4) كغم، ويصل الدماغ حوالي (8) جالون دم في الساعة، أي ما يقارب (198) جالونًا في اليوم، وهو جسم هلامي ناعم الملمس يشكل الماء (78 %) منه، والدهون (10%)، والبروتين (%8)، ويبقى ( %4) تتشكل من عناصر متعددة.

والدماع البشري هو الجزء المسؤول عن التفكير، لذلك يُعرّف التفكير بأنَّه: "مجمل الأشكال والعمليات الذهنية التي يؤديها الدماغ البشري لنرسم بها خريطة العمل لتحقيق الأهداف، مثل تصحيح الاستنتاجات بشأن ما هو حقيقي أو واقعي، أو بشأن كيفية حل المشكلات، والتي تمكنه من نمذجة العالم الذي يعيش فيه، وبالتالي تمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته وغاياته". فهوية الإنسان التعريفية وقيمته الشخصية تحددان من خلال الطريقة التي يُفكر بها، ونوعية الأفكار التي يحملها، فالأفعال التي يقوم بها الفرد هي ترجمه لتفكيره، لذلك فالفرد يبني حياته بفكرة وفعله، فمن خلالهما يقوم بتشكيل شخصيته بالمجتمع ومع المجموعة التي يعيش ويتعامل معها، فهذه الأفكار والأفعال هي من تصنع لك قيمة وهوية وتُحدد ما تُريده من الحياة.

الإنسان وبصورة يومية يتعرض للكثير من المثيرات سواء كانت إيجابية أو سلبية، ويقوم الدماغ البشري باستقبالها ثم يبدأ بممارسة العديد من الأنشطة الذهنية تجاها كتحليلها وتفسيرها، والتي تهدف في النهاية للرد على هذه المثيرات، فإذا كان الإنسان يستخدم عقله بصورة سليمة سيكون فعله إيجابيا وراقيا في نفس الوقت، والعكس صحيح.

من خلال هذه المعلومات الهائلة والثمينة حول الدماغ البشري نجد البعض من البشر لا يستخدمه في التفكير، وربما يكون قد عطل عمله، وهذا تجده من خلال ردود الأفعال والأقوال التي نشاهدها منهم، أو من تفاعلهم في وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك يجب علينا أن نتعلم كيف نفكر اتجاه كل المثيرات والمواقف التي نصادفها في الحياة. يقول بليز باسكال: "كرامة الإنسان تكمن في فكره".

الدماغ البشري من نعم الله على خلقه، وميزه الله عن باقي الكائنات في كونه يُفكر، فالتفكير من أعظم ما يمتلكه العقل البشري، وبهذا التفكير تستطيع أن تصنع لنفسك كياناً وشخصية، وتمتلك احترام وتقدير الكثيرين، وبدون هذا التفكير تصبح مجرد رقم من العدد الكلي للبشر في هذا العالم. وتقول الحكمة الهندية القديمة: "أنت اليوم حيث أتت بك أفكارك، وستكون غداً حيث تأخذك أفكارك".

تعليق عبر الفيس بوك