صبحي مجاهد **
زيارة مُهمة قام بها شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب، مؤخرًا إلى مملكة البحرين، فتحت معها آفاقًا جديدة للمِّ الشمل الإسلامي تحت راية الأزهر، والتي ظهرت بوضوح في دعوة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الطيب، لعودة الحوار الإسلامي الإسلامي، وإنشاء اتحاد علماء مسلمين يستوعب السنة والشيعة.
دعوة شيخ الأزهر جاءت نابعة من مبادئ راسخة في العقلية المؤسسية للأزهر الشريف، وهو ما عبَّر عنه الإمام الأكبر بقوله: "لقد تربينا في الأزهر على قبول المذاهب المختلفة، ولن نستطيع مواجهة التحديات بالتشرذم أو الاختفاء أو التخلف عن هذه المهمة السامية".
هذه الدعوة أعادت للأذهان تاريخًا عريقًا من التقريب داخل الأزهر الشريف منذ عام 1947؛ حيث تأسست بالأزهر "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية"، بهدف توثيق الصلات بين الطوائف الإسلامية، ومحاولة القضاء على الخلافات بين أتباع المذاهب المختلفة، بإدخال دراستها فی الأزهر الشريف. وأصدرت هذه الدار مجلة "رسالة الإسلام"؛ لتنشُر الفكر التقريبی بين المُسلمين، وضمَّت قرابة 20 عضوًا، من بينهم محمد علي علوبة باشا وزير الأوقاف والمعارف وأحد كبار المصلحين في مصر آنذاك، والشيخ عبد المجيد سليم رئيس هيئة الفتوى بالأزهر، والشيخ أحمد حسين مفتي وزارة الأوقاف، والشيخ محمود شلتوت الذي كان عضوًا في هيئة كبار العلماء ثم صار بعد ذلك شيخًا للأزهر، إلى جانب آخرين أجلاء.
لا شك أن عودة التقريب بين المذاهب من شأنها أن تعيد الوحدة الإسلامية والبعد عن الخلافات الفرعية، لا سيما وأننا كمسملين سنة وشيعة نجتمع على قبلة واحدة ونؤمن بإله واحد، ونتبع رسولًا واحدًا، ونتلو قرآنًا واحدًا، ولا يختلف أحد منا على مفهوم الإخاء الإسلامي، الذي يعني أن نكون على قلب رجل واحد لا نختلف باختلاف فهمنا للفروع ما دمنا نتفق على أصل الدين.
وأذكر هنا ما قاله سماحة المفتي العام لسلطنة عمان الشيخ أحمد بن محمد الخليلي، متحدثًا عن مفهوم التقريب بين المذاهب، وطريقة التعامل مع ما يجمع المذاهب قائلاً "يجبُ علينا أن نفكر فيما يجمع بين هذه الأمة، فنحن نرى قواسم مشتركة تجمع ما بين هذه الأمة جميعًا، منها وحدة المصدر. فإنَّ هذه الأمة جميعًا تؤمن بكتاب الله أنه هو المصدر الأول لفكرها ولفقهها ولمنهجها في حياتها، وتؤمن أيضاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة".
والتقريب دعوة ضرورية وفريضة عصرية؛ حيث إنه لا يجوز في ظل ما يعانيه العالم من نزاعات وحروب أن يتم تأجيج خلافات مذهبية في الأمة الإسلامية الواحدة، وكما قال شيخ الأزهر: "... فإنَّ العلماء هم حماة الأمة ولا يصح أن يكونوا بأي شكل من الأشكال طرفًا في هذا النزاع، وأنَّ المسؤولية على العلماء مضاعفة أمام الله وأمام ضمائرنا، وعلى علماء المسلمين ألا يملوا من بيان سماحة الإسلام وقبوله للتعددية الدينية بين البشر ومسألة التعدد المذهبي بين المسلمين".
إنَّ التقريب بين المذاهب أصبح أمرًا بالغ الأهمية نظرًا لوجود العديد من التحديات الخطيرة والتي تستهدف العالم الإسلامي بأكمله، وجعله بؤرة صراع ونزاعات من أجل السيطرة على ثرواته، وهذا التقريب بحاجة إلى نية خالصة وخطوات عملية تسارع من تطبيقه على أرض الواقع، حتى يخرج العالم الإسلامي بوحدة قادرة على مواجهة المخططات والأزمات التي تحيط به وبمستقبله.
** صحفي مصري، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة