علي بن مسعود المعشني
لا أعتقد أن هناك دولة عبر التاريخ الإنساني سخرت العالم قاطبة لخدمة مصالحها ونصبت نفسها شرطيًا وعسكريًا وقاضيًا على العالم، كما تفعل أمريكا اليوم ومنذ قامت وتأسست كدولة عام 1783م بعد حرب الاستقلال، وقد خرجت من هذه الثورة برقعة جغرافية محدودة لا تتعدى 13 ولاية وقوة بشرية لا تزيد على 4 ملايين نسمة؛ حيث تلك النواة التي نمت بسرعة هائلة لتصبح أعظم قوة في العالم وأغناها في خلال 150 عامًا، وما زالت تحتفظ بتفوقها وقوتها منذ أكثر من 50 عامًا.
تشكلت أمريكا "الأولى" من المهاجرين المنبوذين والمهمشين في المجتمعات الأوروبية، وأقاموا كيانهم على أنقاض السكان الأصليين قسرًا والذين أطلقوا عليهم زورًا مسمى الهنود الحُمر (وهو مُسمى أطلقه كريستوفر كولومبس على السكان الأصليين بعد أن تاه أسطوله في رحلته إلى الهند ووقع صدفة على ما يُسمى بأمريكا اليوم)، لهذا لازمت هذا المجتمع صفتان لازبتان وهما: ثقافة العنف، والعنصرية المُتجددة.
ارتكبت الأقوام الدخيلة فظاعات جُرمية وجرائم مُنكرة بحق السكان الأصليين، وصلت إلى حد الإبادات الجماعية بلا رحمة ولا شفقة، ثم أتت تبعات تلك الجرائم بجرائم لا تقل وحشية عنها لاحقًا؛ لتجعل من السكان الأصليين كائنات غير مُصنفة (إنسان، حيوان، نبات، جماد... إلخ) حتى لا تنطبق عليهم أية حقوق، إضافة إلى نشر العُقم القسري بين نسائهم لتحديد نسلهم، وعدم أهليتهم للتقاضي أو لأية حقوق سياسية أو مدنية لعقود طويلة.
أما العنصرية الأمريكية فقد توجهت في البداية نحو الأيرلنديين والذين تملكوا مناجم الذهب في أمريكا وسيطروا عليها، ثم توجهت نحو السود لعقود طويلة، ثم توجهت نحو الأصول اللاتينية، ثم نحو العرب والمسلمين بعمومهم، مع بقاء منسوب منها ضد السود واللاتينيين وغيرهم من المهاجرين.
لم يفلح التطور العلمي الكبير في المجتمع الأمريكي، ولا التعدد العرقي والطائفي بها، ولا مكانتها المتفردة كقوة عظمى لهذا المجتمع أن يتجاوز بذور العنصرية ويتعايش بسلام ويتيقن أنه مجتمع مهاجرين أساسًا ليس به أصيل ودخيل، فبقيت موجة العنصرية يتداولها الأمريكيون من مختلف الشرائح والفئات كحالة عصية على الفهم والعلاج وعابرة للأجيال. أُصيب الأمريكي بالنرجسية المرضية المعيبة مفتونًا بثروته وقوته العسكرية، وأعتقد أنه شرطي العالم وأن قوة القانون ومصالحه هي الذريعة ويحق له دون غيره تحقيقها بالأسلوب والطريقة التي يراها ويقدرها هو لا غيره.
لهذا خاضت أمريكا حروبًا في جميع الجغرافيات وبلا استثناء بعدد سنوات تأسيسها وبمعدل حرب في كل عام، ناهيك عن المؤامرات والعمليات الاستخباراتية الخاصة والحروب القذرة وتمويل الإرهاب والجماعات الإرهابية وفق تصنيف البورد الأمريكي وعلى هواها ووفق مقاس مصالحها فقط. لهذا لم تعرف أمريكا صديقًا حقيقيًا لها ولا حليفًا حقيقيًا لها، سوى ما تفرزه وتقتضيه مصالح "اللوبيات" المتنفذة بداخلها والتي تُشكل الدولة العميقة والحقيقية بها والمتمثلة في لوبيات المال والنفط والسلاح، هذه اللوبيات التي تعتاش وتنمو على تعاسة العالم عبر افتعال الحروب ونشر المجاعات والفقر والأمراض.
لم تكتفِ أمريكا بجميع هذه الويلات والنكبات للشعوب والبلدان؛ بل سعت وتسعى بكل جهدها لتحقيق حلم الصهيونية العالمية لإقامة ما تُعرف لديهم بالحكومة العالمية تلك الحكومة التي تتكون من المليار الذهبي من البشر، وهم بالقطع سكان أمريكا وأوروبا فقط لا غير، أما بقية البشر فتتم إبادتهم عبر الثالوث المُخيف: تشجيع الحروب، وافتعال المجاعات، ونشر الأمراض.
قبل اللقاء.. أمريكا تُريد والله فعّال لما يُريد.
وبالشكر تدوم النعم.