تشو شيوان **
في الوقت الحالي يشهد العالم متغيرات كثيرة على جميع الأصعدة، والتنافس بين الدول أصبح أكثر سخونة وأكثر توتراً، والجميع في سباق من التسلح وابتكار أسلحة فيها من الدمار الكثير، وبنفس الوقت هناك فرص لم نكن نحلم فيها من وفرة في الطاقة والطعام والاستقرار في الحالة الصحية في الكثير من البلدان، ومع وجود هذين المتقابلين علينا أن نجد طريقا سلميا يعزز القيم المشتركة لبناء نهضة بشرية نحافظ فيها على مستويات أو متطلبات الحياة ليس إلا، ولهذا جاءت الصين بحكمتها الخاصة بمبادرة "المصير المشترك للبشرية"، والتي تدعو للترابط والبناء المشترك بين الجميع لضمان مستقبل أفضل.
سلوكيات الهيمنة والتسلط ألحقت أضرارًا جسيمة بالعديد من البلدان والشعوب، وقد زاد العجز في السلام والتنمية والأمن والحوكمة، وقيام دولة بعينها في التحكم بمصير دول العالم كافة لم يعد مقبولاً ولم يعد ناجحاً، والنموذج الذي يطالب بهذا الأمر بات الفشل طريقه لا محال، وأصبحنا بأمس الحاجة لنموذج يدعو للانفتاح الحقيقي؛ الانفتاح على الآخر والعمل سوياً نحو آفاق جديدة، لتحقيق الفوز المشترك، ولهذا وجدت الصين نفسها أمام دور عالمي يجب أن تأخذ خطوة استقباقية في طريقه ألا وهو مسألة إيجاد نموذج عالمي قائم على التعاون والتشارك شريطة أن يكون قابلاً للتحقيق، ولهذا وجدنا أن الصين أطلقت في عام 2013 ما يعرف بمبادرة "المصير المشترك للبشرية" والتي جاء بفلسفتها الرئيس الصيني شي جين بينغ لتكون هذه المبادرة هي النموذج الصيني أو هي الإطار لشكل الدبلوماسية الصينية وعلاقتها بدول العالم كافة.
الصين جاءت بمبادرتها لتضع نموذجا مغايرا للعلاقات الدولية؛ علاقة يكون فيها جميع الأطراف رابحين بصرف النظر عن شكل الربح ومقداره، ولكن يجب أن يربح الجميع وأن نتشارك في هذا الربح لنكون علاقة صحيحة وسليمة؛ أما سياسات التنمر والاستقواء وسلب الحقوق وفرض الرؤى والاتجاهات على الدول الأخرى فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نضعه تحتى مسمى العلاقات الدولية، فالعلاقات الدولية يجب أن تبنى على أسس تضمن الحفاظ على مصالح الجميع بصرف النظر فيما إذا كانت هذه الدولة أو هذا الشعب قويا أو ضعيفا، فالجميع من حقه تحقيق مستويات تنمية مرتفعة وأن يحسن من حياة شعبه، وأيضاً الجميع من حقه أن يبني نظام دولته بالشكل والطريقة التي يراها مناسبة له ولظروفه، وهذا جوهر مبادرة الصين "المصير المشترك للبشرية".
من أهم أساسيات المبادرة الصينية أنها تركز على طبيعة الإنسان وعلاقته بجميع المكونات من حوله بما فيها الطبيعة والموارد ومواضيع الطاقة وأيضاً الحياة الصحية والتعليمية، ولهذا نجد أن المبادرة الصينية تريد تنمية جميع الدول لتحسين أساسيات الحياة الكريمة لشعوب هذه الدول، ولهذا وجدنا أن مبادرة طريق واحد حزام واحد أو الحزام والطريق جاءت أيضاً لتنمية الدول الضعيفة والفقيرة وفتح آفاق جديدة للعمل الدولي المشترك من خلال التجارة والصناعة وتطوير البنى التحتية.
وبما أننا نتحدث عن العالم وعن العلاقات الدولية فيجب أن تضمن المبادرة مشاركة الجميع سواء الدول الأوروبية المصنعة والمنتجة وأيضاً الدول الأفريقية الغنية بالخيرات والمصادر الطبيعية، ولهذا وجدنا يد الصين تمتد لأفريقيا وتبني هناك الكثير من المشاريع لتحسين حياة الشعوب الأفريقية في وقت تخلى العالم عن هذه الدول ولم يعد يعنيه قضاياهم ولا المشاكل التي يعانون منها، ولكن لأن المبادرة الصينية جاءت للجميع فلم تتخلَ الصين عن القارة السمراء بل مدت لهم يد العون إيماناً من الصين بأننا كبشرية مصيرنا واحد وأهدافنا يجب أن تكون مشتركة، وما ينقص دولة أو مكان معين سيجده في مكان آخر قريب أو بعيد.
رغم نشوب الكثير من الخلافات حول العالم وجدنا الصين تقف على الحياد في أي مشكلة دولية في محاولة لتصحيح الأوضاع أو الدخول في وساطة لحل هذه الإشكاليات، ولم تحاول الصين أبداً القيام بزعزعة الاستقرار أو العبث بالأمن لا في شرق الأرض ولا حتى في مغربها، ولم تُبدِ حتى رأيها حول أي نظام سواء سلباً أو إيجاباً لأن الصين تؤمن بأن كل شعب له طبيعته وطريقة الحكم فيه يجب أن تتوافق مع ما يناسبهم وليس ما يناسب غيرهم، وكما يقول العرب "أهل مكة أدرى بشعابها" أي أن كل دولة وكل شعب هم أدرى بكيفية إدارة شؤونهم وليس من الجيد أن تتدخل الدول العظمى في تحديد مصير الشعوب والأنظمة وتشكلها بناء على مصالحها.
الصين لديها نموذج قائم على المشاركة والصين تؤمن بأن مصيرنا كبشرية مشترك، وأن أهدافنا وتطلعاتنا يجب أن تكون متوافقة، وأننا يجب أن ننهي حالة الصفر رابح وأن نؤسس لعلاقات دولية قائمة على مبدأ رابح رابح؛ الجميع يربح والجميع يستفيد، ونتمنى أن نجد هذا النموذج مطبقاً في جميع الدول حول العالم لنضمن أن مستقبلنا كبشرية يمضي بسلام، فمصيرنا مشترك ويجب أن نتشارك في تحديده وتشكيله.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية