ما كتبت ذلك إلّا حبًا لكم

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

 

نتفق على أنَّه يجب أن تقودنا محبة الله عزَّ وجلَّ والخوف منه إلى أن نتفكر في أحوالنا وحالنا ووضعنا على وفي هذه الدنيا التي سنعيش فيها ما بين الستين سنة إلى السبعين، وقليل منَّا من يتجاوز ذلك، وإذا نظرنا إلى الأولين ممن عاشوا معنا، فإننا اليوم لن نجدهم معنا، وذلك لأنهم ارتحلوا من هذه الدنيا، وتركوا كل شيء وراء ظهورهم.

تركوا القصور والدور والبيوت الفارهة والأموال والزوجات والأولاد والوظيفة والمنصب، وارتحلوا بدون ذلك إلى حيث لا عودة ولا رجعة، وليس هناك مجال لهم لقول "قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ". وهذا الإله العظيم الودود ذو العرش المجيد فعَّال لما يريد، الرحيم الضار النافع القادر الغني، كل يوم يتفضل علينا بنعمه، ويبسط علينا رزقه ورحماته، وكل يوم يُعطينا ويُكرمنا، ويشفينا ويرزقنا ويأوينا ويمهلنا وينصرنا ويوظفنا ويشغلنا، وينقذنا من المهالك والأخطار، ويحفظنا منها ومن الشرور والآفات، ويعظنا ويتودد لنا، وهو ليس محتاجا لنا وغني عنَّا، يفعل جلَّ جلاله ذلك، لأنه رحيم، فهو أرحم بنا من أمهاتنا وآبائنا، وسخر لنا كل ما في هذا الكون لنا ولخدمتنا، وجعل الإنسان سيدا في هذا الكون وعليه، وأمرنا بالعبادة دون الاهتمام والتفكير والسعي في رزق أنفسنا، فتكفل جلَّ جلاله بذلك وحده، وأوصانا وأمرنا أن نكون رحماء ببني جلدتنا، لأنَّ ذلك من علامات وجود الإيمان فينا ولدينا، مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يُؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وقال جلَّ جلاله عن نفسه في الحديث القدسي كلاما مؤثرا: "أنا والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، أرزق ويُشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرّهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم! ويتبغّضون إليَّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليَّ، أهل ذكري أهل مجالستي، ومن أراد أن يُجالسني فليذكرني"، وليس المقصود هنا بالذكر أن نقول اسمه جلَّ جلاله مجردا فقط.. لا، وإنما المقصود أكبر وأشمل وأعمق من ذلك.

وقال جلَّ جلاله أيضا: "أهل طاعتي أهل محبتي، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبَوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أناديه وأناديه فأقول له عبدي أين تذهب عني ألك رب سواي، يا الله يا الله من هذا التواضع الإلهي، ويستطرد جلَّ جلاله قائلا، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم".

نعم أخي الحبيب القارئ الكريم هذا كلام رب العالمين ورب الخلق أجمعين لنا، فبلا شك كلام كبير مؤثر.

ومن خلال مقالاتي هذه التي تنحو هذا المنحى، أريد بها أن نتذاكر أنا وأنتم في الله تعالى، نعظمه ونذكره ونذكِّر به ونتحدث عنه، حتى تطير أفئدتنا شوقا له، وحتى تتشوق نفوسنا لما عنده تعالى من جزاء طيب ونعيم مقيم دائم، فلكم أن تحيوا فيها ولا تموتوا وأن تشبوا ولا تشيبوا أو تهرموا وأن تصحوا أبدا ولا تسقموا، ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم، ففيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

الله الله هذه الجنة أخي الحبيب، والله جلَّ جلاله قال "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"، وهنا تأكيد منه تعالى على حصول ووقوع النفع من التذكير، فالناس فيها خير، والقلوب طيبة ومتلهفة لسماع كلام الدين والإيمان، فقط تحتاج إلى اجتهاد بسيط عليها.

وقد قال أحد مشايخ العلم والدين نحمدالله تعالى على ما منَّ به علينا بأن جعلنا من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فحملنا المسؤولية التي حملها صلى الله عليه وسلم، ونحمده على ذلك ونشكره كثيرا، ونسأله تعالى أن يوفقنا للقيام بهذه المسؤولية حق القيام، وأن نجتهد بكل ما أوتينا من قوة وخير وصحة وعافية ورزق، لأداء كل متطلباتها على أكمل وجه، وأن يتقبلنا تعالى عنده بقبول حسن، وأن يتقبل جهودنا جميعاً وصالحات أعمالنا، ويجعلها سبباً لدفع البلاء ورفع الوباء، وهداية الخلق في العالم كله.

وذكر هذا الشيخ الجليل في قوله أيضا إن الله تعالى يبتلي الإنسان بالفقر والغنى، وبالعز والذل، وبالهم والحزن والفرح والفرج، لكنه لو ظن أن وجود الظلم وعدم وجود العدل ووجود الأحوال السيئة، تتمثل في عدم وجود الأموال فقط وعدم توزيع الأشياء المادية توزيعا عادلا، وأن إصلاح الأمور المالية يحقق العدل والمساواة دون أن يكون وجود الدين مهما في حياة الإنسان، فإنه بذلك ارتكب خطأ فادحا، فالذي لديه الأولاد والمنصب والمال الكثير بل الدنيا كلها وليس لديه الدين، فهو في خسارة كبيرة، فقال جلَّ جلاله "قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ".

فصاحب المال مثلا نجده منهمكاً في جمعه متناسيًا ربه وما أمر به، وإذا وصل الإنسان إلى هذا المستوى من الغفلة والحال والجهل بربه، وانشغل عن أوامره، فيكون بذلك أغضب ربه، فيذوق من وبال غضبه أصناف البلاء في هذه الحياة الدنيا، ثم يذوق أصناف العذاب الشديد في الآخرة.. أعاذنا الله جلَّ جلاله وإياكم من ذلك.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة