سالم بن نجيم البادي
ما كنتُ أرغب في الكتابة عن الباعة في الشوارع وعلى الزوايا، بعد الأذى الذي لحق بي حين كتبت أكثر من مقال عن ظاهرة الباعة الذين يقفون على جانبي الطريق لبيع الطعام في عز البرد أو تحت شمس الصيف الحارقة، وقد كانوا شبابًا في عمر الزهور؛ بل إن بعضهم أطفال على مقاعد الدراسة، كما ذكرت ذلك في مقال بعنوان "3 أطفال على قارعة الطريق"، وهو المقال الذي أثار ردود فعل كثيرة وظهر من يقول إنهم لا يبيعون من الحاجة وإن لديهم ما يكفي من المال وعندهم حساب في البنك فيه مبلغ مالي محترم.
وطبعا عائلة الأطفال أثبتت عكس ذلك تمامًا وبعض من هؤلاء الباعة نساء طاعنات في السن ورجال تظهر عليهم سيماء الفاقة والعوز، ومع ذلك اتهموا بأنهم إنما يريدون جني المزيد من المال أو من أجل جلب عطف الناس وأنهم يشوهون صورة البلد أمام السياح وقيل عني حين أكتب عنهم أني كنت أشجعهم على ذلك وأنقل صورة غير واقعية وغير طيبة عن بلدنا في الخارج.
أتحدث هذه المرة عن بائع عُماني ظهر في مقطع متداول في وسائل التواصل الاجتماعي وهو يجلس في سيارته في أحد شوارع الكويت ينتظر من يشتري منه بضاعته وهو بالزي العماني (الكمة والدشداشة)، والذي نشر المقطع هو كويتي قد تعاطف مع الرجل العماني وهو يوجه نداء إلى أهل الكويت من أجل أن يشتروا منه بضاعته، وقد أشفق عليه من حرارة الشمس وطول الطريق من عمان إلى الكويت ذهابا وعودة، وكانت كلمات الرجل الكويتي مؤثرة وفيها شفقة ورحمة.
السؤال هنا: ما الذي جعل هذا الرجل يذهب إلى الكويت ليبيع بضاعته هناك مع مشقة السفر وتكاليف وقود السيارة والصبر على تلك الوقفة في الشارع في الحر وانتظار من يشتري بضاعته؟ وهل لديه الثقة بأنه سوف يبيع كل بضاعته أم سوف يعود ببعضها لأنه لم يستطع بيعها كلها؟ وكم يومًا سيبقى في الكويت؟ وإذا جاء الليل هل سينام في سيارته؟ لا أظن أن لديه القدرة على المبيت في أحد الفنادق. وما الربح الذي سوف يعود به؟ وما الظروف التي يعاني منها في وطنه والتي جعلته يذهب إلى الكويت رغم كل العقبات؟ وهل يليق بالعماني أن يفعل ما فعل هذا الرجل وهو ابن هذا البلد العريق الذي وهبه الله خيرات كثيرة وثروات وتنوعًا جغرافيًا وطبيعة مذهلة؟ وأين أصحاب القرار في بلدنا والجهات ذات الاختصاص عن هذا المشهد؟ وهل يرضيهم ذلك؟
أسئلة كثيرة وعميقة أثارها ذلك المشهد للعماني في أحد شوارع الكويت. وحين نكتب عن الباعة في الشوارع لا نريد غير جذب الانتباه إليهم ودراسة أوضاعهم والتقرب منهم لمعرفة أحوالهم، حتى وإن كانوا يفعلون ذلك بطرا ورغبة في الثراء أو عادة قد ابتلوا بها كما يفعل المتسول الكاذب. وهنا ينبغي منعهم من ذلك إن كانوا كاذبين، لكن إن تبين صدقهم وأن الحاجة هي التي تجعلهم يبيعون في الطرقات فإنه لا عذر للجهات المختصة وللأغنياء من أهل البلد في أن يتركوهم في ذلك الوضع الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه لا يليق بالعماني العزيز الكريم وريث الإمبراطورية العمانية والتاريخ المجيد.
واستعير هنا تعبير الرجل الكويتي الذي قال في نهاية المقطع وهو يحث أهل بلده للشراء من الرجل العماني "تكفون طلبتكم يا أهل الكويت". وأقول تكفون طلبتكم يا أهل عمان، ابحثوا عن حل لقضايا المواطن ولا تتركوها مُعلقة حتى لا تتفاقم وتكبر.