الذين يصفقون للحرب الروسية الأوكرانية

 

 

سالم بن نجيم البادي

 

صفّق بعض أبناء جلدتنا للحرب بين روسيا وأوكرانيا، وفرحوا بها نكاية في أمريكا والغرب، وأظهروا تأييدهم لروسيا وبشروا بفوزها السريع في هذه الحرب، وهم يرون أنَّ أمريكا والغرب يستحقون الإذلال وأن تُمرغ أنُفوهم في التراب عقابًا لما اقترفوه بحق العرب، عبر سلسة من الحروب والهيمنة على الشعوب الضعيفة وإفقارها بالاستيلاء على ثرواتها ووضع العراقيل أمامها حتى لا تتطور، وتبقى تدور في فلك القوى الكبرى عاجزة عن النهوض والاعتماد على نفسها.

كما إنهم ينطلقون في منطقهم هذا من أنَّ تاريخ أمريكا- والغرب عامة- أسود وقبيح ومخزٍ ومشين في إفريقيا منذ تجارة العبيد وحتى عهد قريب، وفي آسيا والوطن العربي

وأن أمريكا منحازة كليًا لإسرائيل، وأنها المسيطرة على العالم باقتصادها ودولارها وثقافتها وأساليبها الملتوية والخفية والسرية وما خفي أعظم!

لكن في المُقابل، يجب ذكر أن روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي (سابقًا) هي الأخرى ليست حملًا وديعًا ولا حمامة سلام، وتاريخها حافل بظلم واضطهاد ومحاربة الإسلام والمسلمين في الجمهوريات الإسلامية التي كانت تحتلها بالحديد والنار والبطش والقوة الغاشمة، بجانب ما فعلته روسيا الحالية في الشيشان ودعمها المطلق للصرب ضد المُسلمين في البوسنة والهرسك خلال الحرب. كما إنه من الاتحاد السوفييتي انتشرت الشيوعية في أوساط بعض العرب والذين انبهروا بزعمائها مثل فلاديمير لينين وجوزيف ستالين.

قد يقال إن ذلك تاريخ وانتهى، وإن روسيا الحديثة غير الاتحاد السوفييتي السابق، لكن كل ذلك الإرث الذي تركه الاتحاد السوفييتي لا يمكن نسيانه وإن بعض تبعاته ما زالت باقية، وبعض الجروح التي أحدثها لم تلتئم بعد، وطائرات روسيا اليوم هي التي كانت تدك بلدات وقرى سوريا بالقنابل ليلًا ونهارًا، فتقضي على البشر والحجر وتحيل هذه المدن إلى خراب. وهي التي تغض الطرف عن الضربات التي تشنها إسرائيل بين فترة وأخرى على سوريا، وهي التي لا تفعل شيئًا تجاه جرائم إسرائيل واحتلالها لفلسطين.

إنَّ رهان بعض العرب على روسيا رهان خاسر، وقد أظهرت هذه الحرب أنَّ الجيش الروسي ليس كما كنّا نعتقد أنه قوي لا يقهر، وأن السلاح الروسي ليس بذلك التطور والتنوع، مقارنة بسلاح دول حلف "الناتو" للدرجة التي جعلت الروس يستخدمون الطائرات المُسيّرة الإيرانية في قصف المدن الأوكرانية كما يقول الجانب الأوكراني، وأن كل ما يُمكن أن تفاخر به روسيا في مجال السلاح هو سلاحها النووي، وحين أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية، صارت فضيحة الهروب الكبير للمواطنين الروس، الذين فروا من بلادهم خوفًا من التجنيد الإجباري، ربما لعدم اقتناعهم بجدوى الحرب، وأنها حرب عبثية كان يمكن تجنبها وأن أوكرانيا لا تشكل خطرا داهما عليهم.

والعجب كل العجب أن يوجد من يُرحب بالحرب التي أشعل فتيلها أهل السياسة ويكتوي بنارها الناس في أوكرانيا؛ حيث القتل والإصابات والدمار والتشرد واللجوء والشتات في الدول المجاورة لأوكرانيا، وتسوية بعض المدن والقرى والبلدات بالأرض وانقطاع الكهرباء وتدمير البنى التحتية والخوف والهلع الذي يُرافق الناس طوال الوقت؛ بمن فيهم الأطفال، وهي الحرب التي تخلف وراءها اليتامى والأرامل والأمهات الثكالى والأسر التي تفرّق شملُها والألم والأحزان والدموع ووجع الفقد والجروح النفسية العميقة.

أثر الحرب الروسية الأوكرانية امتد ليشمل معظم دول العالم، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي مع ارتفاع أسعار الوقود وأسعار الغذاء، نتيجة توقف تصدير الحبوب من أوكرانيا، وهذا فاقم من مشكلات الفقر والجوع والغلاء في الدول الفقيرة خاصة والإنسان في كل الأحوال، ودائمًا هو الضحية لهذه الحروب!

لا أحب بايدن ولا بوتين لكنني أكره الحروب، وأتضامن مع الإنسان أينما كان، ولا يهمني أصل هذا الإنسان ولا لونه ولا جنسه أو جنسيته أو دينه، ويكفي أنه إنسانٌ.

وأعتقد أن روسيا لن تنتصر في هذه الحرب، وإن انتصرت فهو نصر يشبه الهزيمة، وهي المخنوقة بالعقوبات الهائلة، بينما الأسلحة المتطورة تنهال على أوكرانيا من أمريكا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، علاوة على المساعدات المالية واللوجستية والمعلومات، وحتى الأراضي الأوكرانية التي ضمها بوتين إلى روسيا سوف تعود حتمًا إلى أوكرانيا ذات يوم. وأؤمن أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست على وشك الانهيار، وأن أحدًا لن يستفيد من هذه الحرب، وأن هيمنة القطب الواحد سوف تستمر على الأقل في المدى القريب، وأنه لا ناقة لنا ولا جمل في هذه الحرب، وعلينا الدعوة إلى السلام لا الحرب..

والسلام على الأبرياء في أوكرانيا وعلى جميع بني الإنسان حول العالم.