ماذا لو كان المسؤول روبوتًا؟

 

مؤيد الزعبي

لم يعد مستغربًا أن تدخل الروبوتات جميع المجالات في حياتنا، ومع ذلك ربما من الغريب أن نشاهد روبوتًا يدخل مجال العمل الحكومي ونجده مسؤولًا عن حقيبة وزارية، ولكن يومًا بعد يوم تصبح الروبوتات أكثر تطورًا ولا يوجد ما يمنع من أن نجد مسؤولا أو وزيرا روبوتًا! فما الذي سيحصل لو حدث ذلك؟ تخيل وعِش التجربة، ولنستعرض معًا كيف سيكون شكل العمل الوزاري لو كان الوزير روبوتا أو نظاما من أنظمة الذكاء الاصطناعي، وهل سيكون هذا التطور مفيدًا ويُغير عملنا المؤسسي للأفضل؛ هذا ما سنكتشفه معًا.

في البداية وقبل كل شيء وجود وزير روبوت لا ينتقص من جهود الوزير البشري أبدًا، وما سيأتي في هذا الطرح ما هو إلا محاكاة أو تخيل لما يمكن أن يحدث في المستقبل، وأيضًا يمكن اعتبار هذا المقال هو دعوة للاستفادة من إمكانيات التكنولوجيا لتسهيل الكثير من الأمور في العمل الحكومي، وكيف للتكنولوجيا تخفيف الأعباء على الوزارات والمؤسسات الحكومية.

تخيل أن يكون الروبوت وزيرًا للنقل؛ حينها سيكون بمقدوره معرفة أين تكمن مشاكل الازدحام المروري، وعدد السيارات مستعملة الطريق، وأيضًا عدد مستخدمي وسائل النقل العام وساعات الذروة وعدد سيارات الأجرة ونسبة إشغالها وأماكن تواجدها وتوزيعها وعدد السائقين وخبراتهم وتأثيرهم على قطاع النقل، بالإضافة لمعرفته لجميع طرق الدولة وحالة الطرق وماذا تحتاج من إصلاحات وتطويرات، وكل هذا سيكون محدث أمامه لحظة بلحظة، بل سيتعدى الأمر لأكثر من ذلك فمن خلال تحليلات البيانات لديه سيتمكن من توقع حالة الطرق وحالة وسائل النقل خلال الخمس سنوات القادمة بناءً على التقارير الإحصائية السكانية، وماذا تحتاج وزارته من عمليات تطويرية في المرحلة القادمة، وسيضع أمام رئاسة الوزراء ميزانية دقيقة لوزارته ومشاريعها التطويرية، وسيكون بمقدوره الاطلاع على تجارب الدول الأخرى ومقارنتها بتجاربه وكيف يمكنه الاستفادة من هذه التجارب لتطوير وزارته، وإذا ما وصلنا لربط إلكتروني ووصلنا للمدن الذكية والحياة الرقمية فسيكون بمقدوره تقديم التسهيلات للوزارات والمؤسسات الأخرى مثل وزارة الأشغال العامة والبلديات ودائرة الأراضي والأملاك والإسكان، وسيكون قادرًا على التنسيق مع جميع الأقسام بمختلف درجاتها من وكيل الوزارة لأصغر مدير قسم في وزارته بشكل مباشر وبشكل لحظي تماشيًا مع ما يملكه من قدراته لمتابعة كل صغيرة وكبيرة دون كلل أم ملل، بل سيتمكن أيضًا من متابعة شكاوى المراجعين وتحليلها واتخاذ القرارات بشأنها وبناء استراتيجيات وخطط لضمان عدم وجود شكاوى متكررة في المستقبل.

وماذا لو كان الروبوت وزيرًا للصحة فحينها سيقف على جميع مشاكل القطاع الصحي ويتخذ قرارات مدروسة بناءً على بيانات دقيقة قام بتحليلها، وسيكون قادرًا على التعامل مع الأوبئة بطريقة ممنهجة بناء على تجارب سابقة قام بدراستها منذ قيام البشرية وما مر بها من تجارب مشابهة، وسيكون بمقدوره متابعة أحوال المستشفيات والطواقم الطبية والمخزون من الأدوية والعقاقير، بل يمكنه أن يقدم دراسات حول حالة المجتمع والأمراض الأكثر انتشارًا والوقوف على أسبابها وكيف يمكن معالجتها، ويمكنه تقديم بيانات صحفية لتوضيح كافة التفاصيل حول أي طارئ أو مستجد، وسيتمكن وزير الصحة الروبوت من دراسة أصغر لأكبر مشاكل الطاقم الطبي وماذا يعانون من ضغوطات في بيئة العمل والوقوف على مشاكل الاحتراق الوظيفي في القطاع الطبي، ومعرفة أي المناطق الأكثر حاجة لتطوير في المستوصفات والمراكز الطبية والمستشفيات.

وماذا لو كان الوزير الروبوت وزيرًا لتنمية المجتمع حينها سيكون قادرًا على إيجاد تعريف دقيق لمحدودي الدخل، وسيمكن من الاطلاع على كافة المشاكل المجتمعية التي تستوجب إيجاد الحلول لها، والقيام بخطوات استباقية لتوفير حلولًا فعالة لفئات المجتمع كافة من تقديم حلول لدمج أصحاب الإعاقة في بيئة العمل، وايجاد برامج لتنمية الشباب، وخلق التوازن بين الجنسين ودعم مشاريع المرأة من خلال الوقوف على المعيقات الفعلية لمثل هذه المشاكل التي تتطلب تحليلات مبنية على بيانات دقيقة جدًا ولن يصعب على الوزير الروبوت مثل هذه الأعمال خصوصًا مع تطور قواعد البيانات المجتمعية وربطها بالوزارات الأخرى ذات العلاقة مثل وزارة العمل ووزارة المالية، وبعض المؤسسات الأخرى مثل المؤسسات المعنية بالمرأة والشباب والجهات الرياضية، وسيتمكن أيضًا من معرفة الأسباب الحقيقة لمشاكل المجتمع مثل الطلاق والادمان والمخدرات والعنف المجتمعي، وذلك من خلال تمكنه من تحليل بيانات المحاكم ومراكز الإصلاح والارشاد وربطها ببيانات التعليم ومخرجاته وتأثيرات الخطاب الديني وترابط كل هذه الأمور في تقويم السلوك المجتمعي.

في رأيي يمكننا الاستفادة من التكنولوجيا بشكل كبير في تنظيم العمل الحكومي وتسهيله وجعله أكثر تكاملًا، والوزير الروبوت سيكون مفيدًا جدًا في الوزارات الخدمية، ولكن كل هذا يبقى مرهونًا بقدرتنا على جميع البيانات وتحليلها وتدريب الذكاء الاصطناعي ليكون قادرًا على القيام بمثل هذه المهمات الصعبة، والمستقبل لن يقف أمام مثل هذه العوائق فالعالم متجه بشكل كبير لرقمنة كل شيء في حياتنا حتى عملنا الحكومي والمؤسسي.