قمة إفتائية عالمية للتنمية

صبحي مجاهد **

تمثل التنمية التحدي الأكبر الذي يُواجه دولنا في ظل التحديات العالمية التي نشهدها من حروب وقلة الموارد الاقتصادية، وتأثر اقتصاد الدول بتقلبات العلاقات الدولية، إلا أن الخطر الأهم والأكبر الذي قد يقتل أي جهود تنموية هو الفكر المتشدد والتطرف، الذي يُعيق أي حركة تنموية وسط قلة وعي أو فهم لصحيح الدين الذي يدعم التنمية المستدامة.

وفي ظل الاهتمام بهذا التحدي، كان مؤتمر الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت عنوان «الفتوى وأهداف التنمية المستدامة»، والذي عقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، وشهد تمثيلًا عالي المستوى من الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية وخبراء ووزراء؛ لبحث تحديات التنمية والتغيرات المناخية، وكان بمثابة قمة دينية داعمة تضم قادة الإفتاء ومختصين من أكثر من 91 دولة حول العالم قبيل انطلاق "قمة المناخ" في مصر المقررة في نوفمبر المقبل بمدينة شرم الشيخ الساحلية.

المؤتمر العالمي الذي شهدته القاهرة وسط أكبر تجمع إفتائي، كان بمثابة صحوة إفتائية تستهدف إبراز أهمية الفتوى المنضبطة، التي تخرج من المؤسسات العلمية المتكاملة ودروها المتعاظم في انطلاق عملية التنمية، وتقرير وتفعيل العديد من المبادئ القرآنية العامة الداعية إلى تحقيق التنمية البشرية وعمارة الأرض.

ومما يزيد من أهمية هذا المؤتمر هو ارتباطه بالتنمية التي تعد وفق المنظور الديني احترام لنعم الله علينا.. تلك التنمية التي ظهر معها وصف الاستدامة في العمل الدولي؛ حيث ظهر مفهوم التنمية المستدامة في عام 1972، إلّا أن المصطلح قُدم رسميًّا في عام 1982 كمفهوم واضح، وعرفت فيه التنمية المستدامة على أنها تشمل مواءمة التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الدينية ومراعاة الموارد الطبيعية.

وفي حقيقة الأمر، فإنَّ المنظور الافتائي للتنمية والذي ظهر خلال جلسات مؤتمر الافتاء العالمي لفت الانتباه إلى أن الفتوى تعد جسرًا من جسور التنمية التي تُرسي دعائم الأمن وتُحقق الأمان، وتُعلي مصلحة الإنسان، وتُعمّر بها الأوطان، كما أن جرائم التعدي على التنمية المستدامة تصنف من ضمن كبريات الجرائم التي تمسُّ الأفراد والدول والأمم في صميم مصالحها.

هذا المعنى أكد عليه مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام؛ حيث لفت إلى أهمية إعادة الدور الإيجابي للفتوى في حياة المجتمعات والشعوب، وفي تحقيق الأهداف الاجتماعية والثقافية للتنمية المستدامة، كما أكده الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، بتوضيح أنّ الفتاوى الحضاريّة تدعم التّنمية المستدامة؛ بل تصنعُ التّنمية المستدامة، وفي المقابل فهناك فتاوى ضالةً مضلّةً تعملُ على تقويض البناء، وتعطيل العمل، وتأخير الرّكب، وتؤصّلُ لقطيعة فكريّة غاشمة، وعُزلة حضاريّة ظالمة، تضرُّ المجتمعات ولا تنفعُها.

وما يجعلنا نرى أن مؤتمر الافتاء المصرية حول التنمية يعد صحوة إفتائية حقيقية إعلانه إصدار المعلمة المصرية للعلوم الإفتائية التي بلغت إلى الآن خمسين مجلدًا كاملًا تربط بين الفتوى وتُبيّنُ علاقتها مع كافة العلوم والأنشطة الإنسانية والمجالات المختلفة، وكذلك إصداره لميثاق إفتائي لمواجهة التغيرات المناخية" يستهدف تعميق الوعي بمخاطر ومشكلات التغيرات المناخية على كافة الأصعدة والمجالات في الحياة الإنسانية، وحتى يكون الإفتاء واحدًا من المجالات التي تسهم في حلّ المشكلة والتوعية بها.

وما يدعم رأينا من اعتبار مؤتمر الإفتاء العالمي السابع يعد قمة إفتائية للتنمية ما أعلنه مصطفى سيرتش المفتي الأسبق للبوسنة والهرسك في ختام المؤتمر من أن عدد المشروعات والمبادرات التي تم إطلاقها في هذا المؤتمر يُشعرنا بمزيد من الرضا ويُطمئن قلوبنا بشكل تامّ حول مستقبل صناعة الفتوى، ويؤكد أن تلك القاطرة التي بدأت في التحرك في السنوات الأخيرة لن تتوقف حتى تصل إلى مقصودها، وتبلغ الفتوى موقعها الذي نطمح له جميعًا.

** صحفي مصري، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة