الذين تحدثوا عن أنور الجندي

 

عبد الله العليان

في سيرة المُفكر والكاتب الموسوعي الأستاذ أنور الجندي الحافلة بالكتابات الكبيرة في الأدب والفكر والسياسة، لم يسبقه أحد في عصره من حيث غزارة الإنتاج من المؤلفات الفكرية، والموسوعات التي تعد مرجعًا للكثير من الباحثين العرب والأجانب، إلى جانب الكتابة الصحفية الطويلة، التي اشتغل معظم حياته فيها الفكرية والأدبية، خاصة قضايا الفكر الإسلامي.

وقد كتب العديد من الباحثين والعلماء والمفكرين عنه؛ سواء في حياته أو بعد وفاته رحمه الله، وعددوا في هذه الكتابات خصاله وأسلوبه وسيرة حياته، ممن عرفوه عن قرب في حياته، ومن تعرفوا على إنتاجه وفكره وصبره على العلم ومشاقه الكثيرة كما قضاها في حياته. وفي كتابه "في وداع الأعلام"، يقول الدكتور يوسف القرضاوي عن الأستاذ الجندي: "هذا الكاتب الكبير المعروف بغزارة الإنتاج وبالتفرغ الكامل للكتابة والعلم، والذي سخَّر قلمه لخدمة الإسلام وثقافته وحضارته ودعوته وأمته أكثر من نصف قرن، ولا يعرف موته إلا بعد عدة أيام، لا تكتب عنه صحيفة، ولا تتحدث عنه إذاعة، ولا يعرف به تلفاز، كأنَّ الرجل لم يخلف وراءه ثروة طائلة من الكتب والموسوعات في مختلف آفاق الثقافة العربية والإسلامية، وقد كان عضوا عاملا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، ومن أوائل الأعضاء في نقابة الصحفيين".

ويضيف القرضاوي: "ولو كان لاعب كرة لتحدثت عنه الأوساط الرياضية وغير الرياضية، وكيف خسرت الرياضة بموته فارسًا من فرسانها؛ بل كيف خسرت الأمة كلها بموته نجماً من نجومها؛ ذلك أن أمتنا تؤمن بعبقرية "القدم"، ولا تؤمن بعبقرية "القلم". لقد ظلمته أمته ميتًا كما ظلمته حيًّا، فلم يكن الرجل ممن يسعون للظهور وتسليط الأضواء عليه، كما يفعل الكثيرون من عشاق الأضواء الباهرة، بل عاش الرجل عمره راهباً في صومعة العلم والثقافة. ومن أوائل ما قرأتُ له: كتاب بعنوان "كفاح الذبيحين فلسطين والمغرب،" وكان من كتبه الأولى "اخرجوا من بلادنا"، حيث كان يخاطب الإنجليز المحتلين، وقد علمت أنَّ الكتاب كان سببًا في سجنه واعتقاله".

ويقول الكاتب محمود خليل: "يذكر للجندي بحروف من نور أنه الرجل الذي أسس مدرسة الأصالة الفكرية المعاصرة في الأدب، فأنصف أقوامًا وهدم آخرين. وفي الاجتماع فكشف زيف فرويد وماركس ودارون ودور كايم. وفي الفلسفة أنصف الغزالي وابن رشد والفارابي وابن سينا والخيام .. رحم الله العلامة أنور الجندي رائد مدرسة الأصالة الفكرية، وقائد كتائب المقاومة في ميادين التبشير والاستشراق والتغريب والغزو الفكري".

ويقول المستشار السعودي عبد الله العقيل: "عرفت الأستاذ أنور الجندي في وقت مُبكر سنة 1946م، حين كنت طالبًا بالمدرسة المتوسطة بالبصرة، حيث كان ينشر مقالاته في بعض المجلات الأسبوعية، ثم أكرمني الله بلقائه في الرياض في مؤتمر الإمام محمد بن عبد الوهاب سنة 1978م الذي أقامته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فكانت فرصة طيبة لأبثه عواطفي ومشاعري نحوه، والثناء على جهوده المباركة في الميدان الثقافي والفكري الإسلامي. وكنت وما زلت مكْبِرًا لهذه الجهود الجبارة التي اضطلع بها بمفرده وبجهوده الذاتية وسط هذا الخضم من الأعداء في الداخل والخارج الذين تسنموا أعلى المناصب في الإعلام والثقافة، وأصبحوا يقربون أتباعهم ويحاربون ذوي الخط الأصيل من المفكرين والأدباء والشعراء المسلمين، وكان آخر لقاءاتي به في القاهرة حين حضوري ممثلًا رابطة العالم الإسلامي في مؤتمر المنظمات الإسلامية، وقد بان عليه كبر السن، ولكن عزيمته وهمته كانتا عزيمة الشباب وهمتهم".

ويقول الباحث والكاتب الهندي محمد خالد ضياء الندوي: "يُعرف الأستاذ بالكاتب الإسلامي الكبير المعروف بغزارة الإنتاج، حتى تقارب بحوثه وكتبه على شتى الموضوعات : الأدبية، والسياسية، والدينية، والاجتماعية وغيرها أكثر من ثلاثمائة كتاب، وبعضها موسوعات، ولكن كيف تيسر له إخراج هذه الكتب القيمة والدراسات الأصيلة بمفرده، تعجز عشرات المؤسسات والمجامع أن تأتي بمثلها أو بقريب منها؟ وكيف قطع هذه الرحلة العلمية والبحثية الطويلة التي تملأها المشقة والمعاناة؟ هذا سؤال مهم جدًا؛ ولكن نظرة غائرة على حياته الحافلة بالإنتاجات والإنجازات تؤكد أن سر هذا العطاء والإنتاج يكمن في فراغه من شغل الأولاد والأموال، حيث رزق ببنت واحدة، والتفرغ الكامل للكتابة والعلم، وقضاء الحياة والوقت بين أضابير الكتب وملفات الصحف".

ويقول الكاتب السنوسي محمد السنوسي: "كان الأدب والنقد مدخل الأستاذ الجندي للكتابة والثقافة، ثم ما لبث أن استرعاه ما يواجه الإسلامَ من شبهات وتحديات؛ وكان قد اطلع على شيء من هذا مبكرًا من خلال كتابات الدكتور محمد حسنين هيكل عن التغريب وكتاب المستشرِق "هاملتون جيب" (وجهة الإسلام).. فنذر الجندي نفسه للفكر الإسلامي؛ دفاعًا وتأريخًا وتأصيلًا. كان أنور الجندي يمتلك قلمًا رصينًا رائقًا، إذ بدأ حياته أديبًا وناقدًا.. ويلم بالقضية التي يتناولها إلمامًا جيدًا".

وقد كرمته الدولة المصرية فتم منحه جائزة الدولة التقديرية سنة 1960، وقد كان عضوًا عاملًا بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، ومن أوائل الأعضاء في نقابة الصحفيين المصريين.