خليفة بن عبيد المشايخي
يأتي على تلك الأرض الطيبة النائمة على أتون البحر وتخوم الماء المالح، أن تلد قديمًا وحديثًا الربابنة والنواخذة والملهمين والمبدعين والمتميزين، وإن شئت قل العباقرة، فما تشتهر به من صناعة للسفن البحرية وسفن الصيد والنقل البحري، وما يمثله لها هذا الإرث الموغل في القدم، المتشعب بأصالته وعراقته ومجده وجماله وتميزه وتفرده بجمال إنسانها وطيبته، وبما يتمتع به عامة أهلها من علم وشعر وفن ودراية، جعلها حديث القاصي والداني، فمنهم صناع كلمة وأدباء ومثقفون ومبدعون وفنانون، ولبلدهم عادات وتقاليد تنفرد بها عن غيرها، كان لها أثر في كل ما تقدم ذكره.
فما يزخر به ماضيها التليد وحاضرها المشرق، نجده في حكايات الوقت الغابر، وفي قصصها التي كان أبطالها أهلها العامة والخاصة، سواء كان البحارة منهم والنهامة والربابنة، أو شيوخ الكرم والفزعة والإيثار، وجميعهم أصحاب كرم وأخلاق نبيلة وعظيمة، وأصحاب نفوس كريمة عرفت عنهم منذ الأزل، اعتنقوها في تعاملاتهم وسيرتهم، وجعلوها حتى وقت طويل غاية المجد وأساس الفخر والرفعة، ناهيك عن أنهم تميزوا بكثرة العطاء عن طيب خاطر.
إذن لا عجب أن يكون الدكتور الطبيب أحمد بن صلاح بن سالم السناني الذي تعود أصوله إلى ولاية صور، أن يكون بارعًا ومتعلمًا ومثقفًا، متوجًا ذلك بأنه الآن طبيب وكاتب وروائي، جمع الكتابة مع مهنة الطب منذ سنوات طويلة، وقليل من يفعل ذلك أو يتميز ويظهر به، فدشن كتاباته في عالم الرواية وبحورها، برواية خيال علمي بعنوان "From Ashes to Flames" أو "من الرماد إلى اللهب"، أثرى بها المكتبة العمانية، وتتمحور أحداثها حول قصة أكبر فضائي دخل في حرب أهلية مع والده وخسر، فنُفي بعد ذلك وصار يشتغل كصائد جوائز، قصده أن يجمع مجوهرات سحرية لينقذ مجرته.
القصة أسلوبها ينتهج أسلوب السرد الروائي الذي يُعالج مشاكل الفئة الناشئة من سن 13 إلى 25 سنة، وتشجّعهم في حل مشاكلهم وصراعاتهم الداخلية، عن طريق أحداث الرواية؛ حيث يجدون أنفسهم في الشخصية الرئيسية. الكتاب مزيج بين تجاربه الشخصية كطبيب وكاتب، وبين وحي الخيال العلمي، وأفلام الخيال العلمي التي استهوته، وكان لوقته نصيب في متابعتها.
الطبيب أحمد السناني لم يبتعد عن تأثره بأصوله الشرقاوية حيث صور العفية، فكان منذ نشأته متميزا ومحبا للجانب العلمي وبارعا فيه، فنبغ فيه أيما نبوغ، فأصبح طبيبا يربت بيديه على مرضاه مواسياً ومعالجا لهم.
وحينما اكتملت روايته، شارك بها في معارض الكتاب الدولية، كمعرض المدينة المنورة الذي شهد أول حفل توقيع لكتابه، كذلك شارك بها في معرض الكتاب الدولي بمسقط والأردن والرياض، وهناك مشاركات مستقبلية يعتزم إن شاء الله التواجد فيها، وذلك كمعرض الشارقة الدولي للكتاب الذي سينطلق خلال الفترة من 2- 13 نوفمبر المُقبل، ومعرض الكويت الدولي للكتاب المقرر افتتاحه في 16 نوفمبر المقبل.
أيما شخصيات طموحة حالمة يتدفق منها عطاءات مختلفة، فإنه لا غرو أن تقدم إسهامات متنوعة للوطن، خاصة إذا كان الحال كحال الطبيب أحمد السناني والمجتمع المتنوع بفكره ومنهاجه العلمي الذي يعود نسبه وأصله إليه، حيث نهل من معينه ما جعله مثقفا وطبيبا وكاتبا وروائيا، متأثرا ببيئة أجداده الصوراوية، ومجتمعه الشرقي الذي يتشبع بوعي مبني على معرفة وعلم، يتيح لأبنائه سلوك التفكير العلمي كمنهاج حياة، ولهذا أصبح السناني طبيبا فكاتبا، واستغل مع هذا وذاك قدراته العلمية وإمكانياته الفكرية، وموهبته وميوله الأدبي والثقافي، وسعة علمه واطلاعه ومناهج البحث العلمية والعملية التي عكف ينهل منها سنوات طويلة، حتى غدا كل ذلك، جزءا لا يتجزأ من ثقافته ومعلوماته وشخصيته، فاستطاع أن ينتج ويبدع ويساهم مع أقرانه وبقية أفراد المجتمع، بما تفضل به الله عز وجل عليه من علم ومعرفة.
تاريخ الأرض التي ينتمي إليها الطبيب أحمد وهي ولاية صور، تاريخ مهم وملهم، تاريخ متوقد بالنبوغ، وشغوف بالعلم والمعرفة والثقافة والبحث والتدوين والفن أيضًا.
فصور عُرفت قديمًا بجوانب ومجالات كثيرة، منها حركتها التجارية، وأنها كانت يومًا ما منفذًا رئيسًا للتجارة والأسفار من خلال أسطولها البحري العريق الذي صال وجال، وقد صنفها كثيرون آنذاك، بأنها درة الساحل الشرقي وبوابة عمان الشرقية وملتقى تاريخي للطرق البحرية.
الطبيب أحمد السناني ما زال طبيبًا في أحد مستشفيات وزارة الصحة، وهو بذلك يكون مثالًا ونموذجًا في الجد والاجتهاد والتحصيل العلمي والبحث والتحليل والقراءة والاطلاع، كغيره ممن سبقوه في كل ذلك من أبناء عمان، وتشريفها وتمثيلها في المحافل الدولية والخارجية خير تمثيل.
نجزم أنه مما زاده حماسًا ونشاطًا وساعده ومكنه من أن ينبغ ككاتب وكطبيب في آن واحد، هو أن أصوله من تلك الولاية المزدهرة بما تحويه وتضمه بين جنباتها من طبيعة وتراث وناس طيبين، وهي ولاية صور أول ما تشرق الشمس عليها، ولا عجب إذن أن يشرق السناني مثقفًا وطبيبًا وكاتبًا وروائيًا، وقبل ذلك إنسانا بما هو مشرف وباعث على الفخر والاعتزاز لنا جميعًا.
هنيئا لنا بأبناء عمان المخلصين المجتهدين أمثاله، وندعو الله تعالى أن يوفقهم إلى أن يكونوا دائمًا وأبدًا في المقدمة، ومن نجاح إلى آخر إن شاء الله، بما يخدم عُمان وأهلها.