محمد بن زايد يلتقط المستقبل

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يُقال إن صحفيًا أمريكيًا سأل صاحب السُّمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الراحل عن رأيه فيما قاله صاحب السُّمو الملكي الأمير بندر بن سلطان السفير الأسبق للمملكة العربية السعودية في واشنطن- ذات يوم- في توصيف العلاقات السعودية الأمريكية عندما قال "إنها زواج كاثيوليكي" (أي لا طلاق فيه)، لكن الأمير سعود الفيصل علّق بالقول: "علاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية كالزواج في الإسلام، والإسلام يبيح التعدد".

بدأ يوم الثلاثاء صاحب السُّمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة زيارة استثنائية لجمهورية روسيا الاتحادية، وحين نصف الزيارة بـ"الاستثنائية" فهذا من منطلق أنها تجري في وقت استثنائي؛ حيث تحتدم الحرب بين الأقطاب الكبرى في العالم في جمهورية أوكرانيا أو فلنقل من باب الدقة في التوصيف "الحرب على أوكرانيا"، فجميع الأطراف المتحاربة لها حسابات خاصة وذات بُعد استراتيجي في تطويع أوكرانيا وضمها إلى صفه؛ فالرابح هنا سيظفر بدولة تعد من البلدان العشرة الأوائل عالميًا في أهم مجالين وهما: الغذاء، والمعادن والطاقة، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي المهم.

وتكتسي زيارة الشيخ محمد بن زايد أهمية خاصة لدولة الإمارات كنجم صاعد في سماء المشهد السياسي الإقليمي والدولي، ولجمهورية روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين الذي يخوض حربًا فوق العادية ودون النووية في أوكرانيا ومن يقفون خلفها.

لا يمكن الفصل- في تقديري- بين توجه دولة الإمارات العربية في عهد الشيخ محمد بن زايد وبين المزاج العام للتوجه الخليجي القادم نحو عالم متعدد الأقطاب، وإن كانت دولة الإمارات سبّاقة بعض الشيء لأقطار الخليج في ترجمة سياسة الانفتاح على روسيا خصوصًا، وعلى عموم بلدان ما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي، والتخلص من منسوب ثقافة الحرب الباردة سريعًا، وفهم روسيا اليوم مباشرة ودون اللجوء أو الحاجة إلى وسيط. وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية روسيا الاتحادية 5 مليارات دولار، وتوجد 4 آلاف شركة روسية تعمل وتستثمر في دولة الإمارات، وهو التعاون الخليجي الأكبر مع روسيا. ولا أستبعد شخصيًا أن تقود دولة الإمارات أقطار الخليج في المستقبل القريب نحو عالم متعدد الأقطاب، في التقاط واضح لعالم المستقبل والذي يتشكل اليوم بجلاء ولن ينتظر المترددين.

أقطار الخليج اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتسويق نفسها للعالم وفق مصالحها وقوتها المالية الوازنة عالميًا، وأن تتخلص من التبعية لأي كان من القوى ومثالب الأحلاف والمحاور والاستقطابات لتشكل رقم سياسيًا واقتصاديًا عالميًا وازنًا؛ بل ويمكنها من خلال هذا الدور الحيوي- لاحقًا- أن تحمي مصالحها وتشكل محضر خير ووسيطًا نزيهًا ومقبولًا في تسوية الصراعات والنزاعات الدولية.

لا يمكن أن تخرج زيارة الشيخ محمد بن زايد لروسيا في تقديري عن ملف الصراع على أوكرانيا؛ حيث سوّقت نفسها منذ اندلاع الأزمة كوسيط حيادي ونزيه بين الطرفين الروسي والأوكراني، يضاف إلى ذلك اليوم حجم ومنسوب التشنج بين الروس والغرب، والذي وصل إلى حد الانسداد والقطيعة التامة، وجعل العالم يحبس أنفاسه في انتظار التصعيد الأسوأ في فصول هذه الحرب وهو استخدام السلاح النووي!

دولة الإمارات والشيخ محمد بن زايد يمتلكان حظوة وحضورًا لدى كافة الأطراف، وفي هكذا أزمات لا يوجد صغير وكبير بحجمه وجغرافيته؛ بل حكيم ومبادر بطرحه وحكمته. وكما حل الحكيم البورمي يوثانت الأمين العام للأمم المتحدة خلال الفترة (1961- 1971) أكبر أزمة عصفت بالعالم وهي أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 بين أمريكا والاتحاد السوفييتي (سابقًا) وجنّب العالم الدمار الشامل، يمكنني القول إنه وقياسًا على هذا الموقف، يمكن للشيخ محمد بن زايد أن يكون الحكيم المقبول الذي سيجنّب العالم ما هو أمضى من الصواريخ الكوبية، ويحفظ للجميع كرامتهم ومكانتهم على قاعدة "رابح- رابح"، وهو ما نتمناه ويتمناه كل إنسان سوي على هذه المعمورة، بعدما وصلت الأمور إلى طريق شبه مسدود بين جميع الأطراف.

قبل اللقاء.. يبدو أن أقطار الخليج ستتخلص أخيرًا من الزواج الكاثوليكي في علاقاتها مع الغرب ومع الولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، وتتجه نحو الشريعة الإسلامية السمحاء والتي تُبيح تعدد الزوجات مع الحرص على العدل، ولكن وفق مصالح الدول وليس وفق العلاقات الزوجية بلا شك!

وبالشكر تدوم النعم..