الإسعافات الأولية

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

يقول ربنا تبارك وتعالى "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (المائدة: 32)، وكم هو محظوظ ذلك الشخص الذي سيُساهم في إنقاذ حياة إنسان، وكم من الأجر الذي سيناله من ربه على ما قام به.

ومع تقدم البشرية في مختلف العلوم لم تعد عملية إجراء الإسعافات الأولية حكرًا على العاملين في القطاع الصحي، ومع زيادة الوعي الرسمي والمجتمعي أصحبت المؤسسات تدرب كوادرها على تقديم الإسعافات الأولية لمختلف أنواع الحالات الطارئة. ولا يختلف اثنان على أهمية أن يكون بيننا مسعف مُرخص أو أكثر في كل جهة عمل أو كل مدرسة أو جامعة أو نادٍ رياضي أو مراكز التسوق أو حتى على مستوى العائلة، هذا إذا ما علمنا أنَّ التدخل السريع وفي الدقائق الأولى من فقد الشخص قدرته على الاستجابة وتوقف التنفس يُساهم برفع نسبة نجاته، وفي كل الأحول فإنَّ الأطفال الرضع لا يحتملون توقف الهواء والدم بأجسامهم وكل دقيقة تمر دون تدخل يدخلون معها في مرحلة الخطر.

كما إن إنقاذ حياة إنسان مغشي عليه لا يتطلب الهلع والتجمهر إنما يحتاج إلى الهدوء والتدخل المُباشر من قبل المسعف المخول لكي يحافظ على حياة أي شخص سقط فجأة لأي سبب كان، ولا يعتبر أي شخص فاقدًا للوعي متوفيًا بمجرد توقف التنفس حيث تحدث حالات الإغماء في حالة إنسداد مجرى الهواء بسبب بلع قطعة طعام أو الربو أو بلع اللسان أو فقدان الكثير من الدماء في حالات الجروح الكبيرة أو عند حدوث جلطة دماغية أو سكتة قلبية أو عند حالات الغرق أو حالات الحساسية الشديدة لا سمح الله.

في هذا المقال، سأتحدث عن الإنعاش القلبي الرؤي أو "CPR" والذي يقوم به المسعف عند وجود حالة طارئة جدًا؛ كفقدان الوعي، وذلك لأنَّ باقي الحالات الطارئة تعدّ أقل تهديدًا لحياة المصاب حيث إن المهم هو إعادة التنفس حتى وصول رجال الإسعاف، وفي الحقيقة هناك الكثير من برامج الإسعافات الأولية إلا أن أشهرها هو البرنامج المعتمد من جمعية القلب الأمريكية، والأهم هو اختيار مركز تدريب معتمد من الجهات الرسمية.

قد يواجه أيًّا منِّا حالة طارئة أمامهُ وهو في السوق أو عند التواجد في الحدائق والمتنزهات أو في أي مكان، وقد تكون هنالك حالة فقدان للوعي وهنا يأتي دور المسعف المرخص في المبادرة بتقديم الإسعافات الأولية؛ ففي حالة أن فاقد الوعي امرأة ولديها مرافقون من ذويها عليه التعريف بنفسه وطلب الإذن للتَّدخل، أما في حال أن فاقد الوعي رجل، فعليه أولاً تأمين المكان، وذلك حتى لا يُصيبهُ هو شخصيًا أي مكروه، ثم المحافظة على جسم المصاب مُستلقيًا على ظهره، وبعدها يباشر بمحاولة إفاقة الشخص عن طريق مناداته والضرب بيديه برفق أعلى كتف المصاب. وفي حال لم يستفق، عليه مباشرة طلب المساعدة من أي من الحاضرين بتكليف شخص بالاتصال على رقم الطوارئ للإبلاغ، ثم طلب حقيبة الإسعافات الأولية وجهاز الصاعق الكهربائي (مزيل الرجفان AED)، ثم على المسعف التحقق فيما إذا كان الشخص يتنفس من عدمه خلال 5 إلى 10 ثوانٍ، وذلك بالنظر إلى البطن والقفص الصدري، وبعدها عليه فورًا في حالة الرجل خلع الملابس عن الصدر، والبدأ في عملية الإنعاش القلبي الرئوي بالضغط على الصدر بين 100 إلى 120 ضغطة في الدقيقة؛ حيث يبدأ بـ30 ضغطة، ثم إعطاء نفسين عبر الفم باستخدام واقي الفم، أو مباشرة في حال كان المصاب أحد الأقارب من الدرجة الأولى فقط، وذلك لكون بعض الأمراض تنتقل بواسطة سوائل الجسم. ويحتاج المُسعف تكرار العملية حتى وصول جهاز الصاعق الكهربائي؛ حيث عليه استخدامه فورًا بحسب التدريب الذي تلقاه المسعف والتعليمات الصوتية التي يصدرها الجهاز، وعلى المسعف تكرار العملية السابقة حتى إفاقة المصاب والتوقف الفوري عند وصول رجال الإسعاف.

أما في حال أن المصاب أفاق قبل وصول رجال الإسعاف، فعليه إبقائه مستلقيًا حتى وصول رجال الإسعاف أيضًا، لنقله للمستشفى لتلقي العلاج. وذهاب المصاب للمستشفى أمر ضروري لإجراء الفحوصات الطبية والحصول على العلاج اللازم. وقد يتساءل البعض عن جهاز الصاعق الكهربائي أو مزيل الرجفان (AED) وهو جهاز آمن وسهل الاستخدام، ومن الضرورة بمكان توافره في مختلف الأماكن العامة ليُساعد المسعفين في إنقاذ حياة الناس عند حدوث حالة طارئة.

وبما أن الإسعافات الأولية تساعد في إنقاذ حياة الناس، فلابُد من انتشارها كثقافة وهي لا تأتي إلا بالإيمان بأهميتها ودخول برامج تدريبية معتمدة حتى يكون المسعف مرخصًا؛ لأنها ليست كأي برنامج تدريبي، إنما هي مجموعة مهارات تساهم في إنقاذ أرواح البشر.. ودمتم سالمين.