هل نحتاج لشركة لضمان القروض؟

 

د. يوسف بن حمد البلوشي

yousufh@omaninvestgateway.com

 

يمُر العالم بتغيرات مُتسارعة، تستوجب المرونة والسرعة والإقدام من الدول لضمان مُواكبتها لهذه التغيرات وتحقيق تنافسية عالية، وما أحوجنا في السلطنة إلى تسريع الخطى على مختلف الأصعدة لنتمكن من تعظيم الاستفادة من الجاهزية وتحقيق تحولات نوعية مُهمة في وقت مناسب.

هنا نؤكد دائمًا أهمية التحلي بالجسارة والسرعة في مراجعة بعض السياسات المرتبطة بالتنمية، واستحداث أدوات ومؤسسات من شأنها التعجيل بالوصول إلى الأهداف المنشود. ولا شك أن خلق فرص عمل للأعداد المتزايدة من الباحثين عن عمل والتي تصل إلى 60 ألفًا من أبناء هذا الوطن العزيز من الصعب أن يتأتى من خلال التوظيف في الحكومة المتخمة أصلًا بالموظفين، ولا من خلال برامج التدريب المقرون بالتشغيل المؤقتة، ما لم يرافقها تشغيل فعلي لقاطرات الإنتاج والتصنيع وزيادة الطلب المحلي ومساندة الشركات المحلية على تجاوز عدد من الاختناقات الحالية في بيئة الأعمال. ولا يخفى أن القطاع الخاص العماني في معظمه مكوَّن من المنشآت الصغيرة التي تفتقر في العادة إلى الإمكانات المالية وتواجه صعوبة بالغة في الحصول على التمويل اللازم لزيادة وتحسين الكفاءة والتوسع. ولهذا أبرزت تقارير التنافسية وممارسات الأعمال مشكلة الحصول على التمويل كإحدي العقبات الرئيسية التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعد نواة الإطار المؤسسي للقطاع الخاص؛ الأمر الذي يستدعى تدخل الحكومة لتنظيم وتعزيز قدرة هذه المؤسسات على الحصول على التمويل اللازم في الوقت المناسب لأغراض الإنشاء والتشغيل والاستمرار والنمو، وبما يضمن قيام قطاع خاص قادر تدريجيًا على تحمل أعباء التنمية.

وتتمثل العقبة الرئيسية لهذه المنشآت في تعاملها مع البنوك ومؤسسات التمويل في افتقارها إلى الضمانات الكافية للحصول على القروض. لذا هناك حاجة ماسة إلى إنشاء شركة متخصصة لضمان القروض تعمل على توفير الضمانات اللازمة لتحسين البيئة الائتمانية المتاحة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ بهدف تمكينها من القيام بدور فاعل في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتحمل أعباء التنمية جنبًا إلى جنب مع القطاع الحكومي.

سأركزُ الحديث هنا عن الحاجة الملحة لهذه الشركة لدعم وتطوير وتمكين شركات القطاع الخاص- وعلى رأسها الصغيرة والمتوسطة- بالأدوات والآليات التي تحتاجها للظفر في معركة ممارسة الأعمال الصعبة في السلطنة. وبدراسة تجارب الدول في مجال دعم وتطوير القطاع الخاص، نجد أنها لا تخلو تقريبًا من وجود شركات متخصصة لضمان القروض الممنوحة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تمثل شريحة كبيرة من القطاع الخاص. ومن هذه التجارب نذكر على سبيل المثال اليابان؛ ففي عام 1999 أنشئت "الهيئة اليابانية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة" والتي تهدف إلى توفير المساعدات للمشروعات؛ سواء كانت مساعدات فنية أو تمويلية أو إدارية أو تسويقية، عن طريق إنشاء بعض المؤسسات التمويلية لتوفير التمويل والدعم اللازمين لهذه المشروعات، وتسهيل الحصول على قروض مصرفية بشروط ميسرة، وإنشاء مؤسسة ضمان الائتمان؛ وذلك لضمان القروض المقدمة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. كذلك الأمر في كوريا الجنوبية؛ والتي أسست في عام 1976 "الصندوق الكوري لضمان الائتمان"، لمساعدة المشروعات الصناعية الصغيرة والمتوسطة، التي لا تمتلك ضمانات كافية للقروض اللازمة لتوفير رأس المال المطلوب لإنشاء المشروع. وفي الهند، تقوم الحكومة بضمان المشاريع الصغيرة للحصول على قروض بسعر فائدة متدنٍ للغاية؛ لتلبية احتياجاتها التمويلية، وتوفير السيولة اللازمة لها وبآجال مختلفة. وهناك العديد من التجارب المماثلة في الدول العربية في مصر والأردن وتونس والجزائر، وخليجيًا في المملكة العربية السعودية؛ حيث يوجد برنامج ضمان التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المعروف باسم "كفالة"، والذي يعد أحد البرامج الحكومية التي تهدف إلى دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في المملكة، عن طريق توفير الضمانات المالية أمام البنوك وشركات التمويل. وفي دولة قطر، يقدم بنك قطر للتنمية برنامج "الضمين" الذي يشجّع البنوك على تمويل المشاريع الريادية التي تمتلك مقومات النجاح، ولا يمكنها تقديم الضمانات والمستندات اللازمة التي تثبت أهليتها للحصول على التمويل. وتم مؤخرًا إطلاق برنامج "الضمين" الخاص بالشركات متناهية الصغر. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، هناك برنامج "الضمانات الائتمانية لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة"، والذي يقوم به مصرف الإمارات للتنمية.

السؤال الذي يطرح نفسه: أين نحن من هذه التجارب؟ ولماذا التأخير في تعظيم الاستفادة من تجارب أثبتت نجاعتها في العديد من دول العالم؟ خاصة وأن لدينا قصص نجاح وأسس راسخة في البنك المركزي العماني وبنك التنمية العماني ومؤسسة "كريدت عمان" يمكن تسخيرها لسد هذه الفجوة، واختيار البديل الأنسب من بين البدائل التي تسطّرها التجارب العالمية، ومنها إنشاء شركة متخصصة برأسمال جيدٍ تساهم فيه كل البنوك وشركات التمويل بنسبة 5% لكل منها، وتدخل "كريدت عمان" وبنك التنمية كشركاء استراتيجيين، مع ضرورة توسعة مظلة الضمان، بحيث لا تقتصر فقط على القروض الممنوحة من بنك التنمية، وإنما تشمل جميع كيانات الجهاز المصرفي. ومن البدائل كذلك، تحويل "كريدت عمان" إلى "إجزم بنك عُمان" على غرار تجربة "إجزم بنك السعودي" (بنك التصدير والاستيراد السعودي Saudi Exim) لتنشيط أوسع لقطاعات تنمية الصادرات وإحلال الواردات، وهناك بدائل وخيارات متعددة لا يتسع المقام لذكرها.

ونشير هنا إلى دور البنوك وشركات التمويل؛ كونها شريكًا استراتيجيًا في تنمية هذا الوطن العزيز، فكما هي تحقق الأرباح الضخمة للمساهمين، يجب أن تدرك المسؤولية الكبيرة الموكلة إليها في إنجاح السياسات الحكومية الرامية إلى تعزيز النمو الاقتصادي، والتصدي لمشكلة الباحثين عن العمل والحد من التضخم، والمحافظة على استقرار الأسعار، وتوفير الائتمان بالكم والشروط الملائمين لتحقيق النمو المستهدف، الذي من شأنه أن يسهم في تنويع القاعدة الإنتاجية. ونشير هنا كذلك إلى تشابكية وترابط الاقتصاد، فمع زيادة الأموال الموجهة من المصادر المختلفة وعلى رأسها التمويل البنكي لغرض الاستثمار يزيد الانتاج، ويزيد معدل التوظيف، وتزيد المبيعات، ومن ثم تزيد أرباح الشركات؛ بما ينعكس على زيادة الحاجة إلى اقتراض المزيد من الأموال من البنوك لأغراض التوسع في العملية الإنتاجية، ومن ثم تزيد أرباح البنوك وتضمن الحصول على  مراكز متقدمة في تصنيف الوكالات العالمية. ومن شأن ذلك كله أن يسفر عن  زيادة الناتج المحلى الإجمالى للبلاد. وقصة الاقتصاد المترابط طويلة لا يتسع المقال لسردها.

ولا يفوتنا أن نذكّر بأن تقارير تقييم مسار الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأخيرة تشير إلى حتمية معالجة الصعوبات التي تحد من تطور القطاع الخاص ونمو طاقته الإنتاجية وتضعف قدرته على المنافسة، وذلك من خلال إيجاد شراكة حقيقية وفاعلة بين القطاعين العام والخاص، من خلال عدة آليات؛ منها: إنشاء شركة متخصصة لضمان القروض؛ حيث ينجم عنها فوائد جمة للاقتصاد، يأتي في مقدمتها توزيع المخاطر، وتوفير رأس المال وما يرتبط به من معرفة، وتحقيق المكاسب الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، وكذلك خلق بيئة عمل ديناميكية للتعجيل بتنفيذ برامج التنمية.

وختامًا نقول إن مواجهة تحديات التنمية في عُمان تتطلب جسارة وقرارات وبذل جهودٍ حثيثةٍ واستخدام آليات متعددة نحو حشد الجهود المبعثرة، بهدف تمكين شركات القطاع الخاص وتعزيز قدراتها التنافسية، إيمانًا بأن هذه المؤسسات تمثِّل قاطرة النمو في المستقبل، وتؤدي دورًا مهمًا في خلق فرص العمل، وتحقيق التنمية المتوازنة طبقًا لرؤية "عُمان 2040"، وأن تحقيق تغيرات مهمة في الأساليب التقليدية المتبعة في القطاع المصرفي وتبنِّي ما يُلبي الاحتياجات مثل إطلاق شركة متخصصة لضمان القروض، أمرٌ لا مناص منه، لايجاد قطاع خاصٍ رائدٍ وذي قدرة تنافسية عالية ومعتمد على ذاته ومرتبط بشكل وثيق بالاقتصاد العالمي.

الأكثر قراءة