يفرقون به بين المرء وزوجه

 

أنيسة الهوتية

 

أقدم اعتذاري الشديد لكل من سينزعج من قراءة المقال، فإنني لا أتدخل به في أحكام الدين، والفقه، والمذاهب، ولأنها أفكار وتفاسير واجتهادات تباينت رحمةً، ومن باب ذات الرحمة الذي سمح بالاجتهادات على مر الأزمنة فإنها لازالت تتخللها أمور يجب مراعاتها مع الأزمان المؤاتية حفاظًا على مستقبل وتوازن اللبنة الأساسية في المجتمع.

وسأحاول الاختصار قدر الإمكان دون التفرع، أولًا: من فضل قراءة أو تشغيل سورة البقرة في البيت أنها طاردة للشياطين ومطهرة من السحر والحسد.

ثانيًا: في سورة البقرة ذكر الله سبحانه وتعالى الملكين هاروت وماروت: (وما يعلّمان منْ أحدٍ حتّى يقولا إنّما نحْن فتْنة فلا تكْفرْ)، وبالرغم من تنبيههما بفتنة السحر، إلا أنَّ أغلب شياطين الإنس والجن لم يفكروا في العقوبة بقدر ميلهم إلى جبروت السحر وخاصةً التفريق بين الزوجين المتحابين: (فيتعلّمون منْهما ما يفرّقون به بيْن الْمرْء وزوْجه).. لماذا؟ لأنَّ صورة الزوجين المتحابين انعكاس أزلي لآدم وحواء عليهما السلام، وعندما يتجسد ويتجدد انعكاسهما في ذريتهما يتجسد ويتجدد ذات الحقد والحسد القديم من عدوهما ويأتي للتفريق بينهم، ولولا هوله وعظمته لما ذكر في القرآن الكريم بعبارةٍ صريحة. ولأنَّ محبة الزوجين لا تقاس بمحبة غيرهما، فقد قال تعالى فيهما: (ومنْ آياته أنْ خلق لكمْ منْ أنْفسكمْ أزْواجًا لتسْكنوا إليْها وجعل بيْنكمْ مودةً ورحْمةً إن في ذلك لآياتٍ لقوْمٍ يتفكرون)، ولأنَّ العلاقة الزوجية آية من آيات الله تعالى، فإنها وبلا شك ستزعج إبليس وأعوانه ويكون شغلهم الشاغل تفريقهما، والشيطان الذي ينجح في ذلك يرفع درجةً ويكافأ عنده!

ثالثًا: وبما أن السحر أمر لا شك فيه، فإنَّ تغير حالة الزوجين المتحابين فجأة إلى المشاحنات والتنافر الدائم، أمر غير مُستبعد لوقوع الضرر عليهما، وإن قلنا: (وما هم بضارين به من أحدٍ إلا بإذن الله)، وإن كان بإذن الله إلا أنه يجب علاجه، مثله مثل المرض.

رابعًا: وعندما تستقوي المضرة وتصل إلى الطلاق، وبعدها يتلاومان ويندمان ويشتاقان ويتحسران فهذا دليل على أنَّ السحر كان واقعًا وإلا لكان الطلاق راحةً لهما، وليس ألمًا وحسرة وندمًا. ولأجل ذلك قال تعالى: (الطلاق مرتان)، وليس لفظان وتبقى العدة هي التي تُقرر الرغبة بالتراجع أم لا.

خامسًا: السحر لتفريق الزوجين ليس دائمًا كهانة؛ بل مثله مثل الوسوسة، والتأليف، والنميمية، والغيبة، والقذف، والغيرة، والشك الذي يزرعه الشيطان في قلب أحد الزوجين من خلال شياطين الإنس أو وسوسة النفس. ولأنَّ الغضب مدخل من مداخل إبليس للإنسان فقد حكم الشرع أن حالات من الطلاق لا تقع لحكمة: مثل طلاق الغضبان- غضبًا ظاهرًا أو باطنًا- والسكران، والمجنون. وأيضًا الطلاق بالإكراه، وطلاق الدهش.

سادسًا: إذا كان المشرع سبحانه وضع تساهيل، ولأنَّ الدين يسر، فإن هناك أحكام كثيرة يجب مراجعتها خاصةً إن كان هناك ما يثبت ضررًا وقع على أحد الزوجين أو كلاهما. واختلاف أحكام وقوعها بين المذاهب يجب أن توحد، فإن في أغلب الحالات نجد أن الزوجين من مذهبين مختلفين وفي حالات الطلاق يقع الخلاف للإرجاع! وكما عهدنا من السلف الصالح، ومن رحمة الله بعباده، فإنَّ الطلاق ثلاث لفظاتٍ في نفس واحدةٍ تكون طلقةً واحدة، وطلاق الحامل، والحائض، والنفساء، لا يقع. والحكمة من الأخيرة أنَّ المرأة تمر بفترة تغير في الهرمونات التي تسبب لها التوتر والاكتئاب، ولربما تغضب زوجها وتستفزه بفعلٍ وقولٍ لحالتها النفسية التي تمر بها!

وقرأت عن دولٍ إسلاميةٍ زادت فيها نسب الطلاق، فذهبت إلى مواقعها أتتبع فتاوى الطلاق ووجدتها متشددةً! وكان هذا سببًا مع ما ذكر آنفًا.