كان ياما كان.. أيام المعمدان

 

أنيسة الهوتية

كان ياما كان في قديم الأزمان، وَفي سالف العصر والأوان، كان هناك مَلِكٌ دبلوماسيٌ في علاقاته الخارجية وجَبارٌ في تعامله مع شعبه لا ينفك يقتل من يسمع عنه من جواسيسهِ أنَّه قد تحدث عن الملك وَعدم أهليتهِ كحاكم لظلمهِ أو أي سبب آخر.

وَمات المَلك هذا ما بين العام الثالث والرابع قبل الميلاد، فتقاسم أبناؤهُ الثلاثة مُلكه، وَمِن سوءِ أخلاق ابنه الأكبر وتمردهُ وجبروته كانَ يُساكن زوجات وبنات إخوانه الذين تسبب بقتلهم الواحد تلو الآخر حتى ضم مملكتيهم إلى مملكته، وَقتل زوج أختهُ الجميلة وضمها هي وبناتها كذلك إلى مملكةِ نسائهِ.

وَذات يوم زارهُ وَفدٌ من مملكةٍ مُجاورة يسألونهُ عن الطفل الذي ولد فيهم قرابة الشهرين أو الثلاث بمعجزةٍ كما تم إبلاغهم من كهنتهم، فإنهم قَد رأوا نجمتين لامعتين متعاضدتين في السماء دلت على أن هذا الطفل سيبدل دينهم وسيُنهي مُلكهم ولهُ عضيدٌ سيولد قبلهُ ليشد أزره.

فطلب الملك كُتابه ومستشاريه، ثُم أمرَ بالبحثِ عن كلِ الأطفال المواليد الصبيان الذين يتراوح أعمارهم ما بين الشهرين والثلاثة وقتلهم جميعًا حتى إن كانوا من نسله، وفعلًا تم ما أمر بهِ، ولكن أتوهُ بطفلٍ في عمر الخمسة أشهرِ يستأذنوهُ قتله؟ فهو الصبي الوحيد الذي وجدوهُ في عمر خمسة أشهر، وولد لأبوين عاقرين بعد أن كانا محرومين لأكثر من 100 عام! وهو ابنهما الوحيد! فأمر بإرجاعهِ لوالديهِ لأنه حسب عمره لا يتوافق مع العمر المطلوب قتله وإن كانت ولادته أشبه بالمعجزة فهل تلد امرأة في التسعين؟ من رجلٍ أكمل عامه المئة؟! وهذه المرأة هي نفسها التي اختفت ابنة خالتها الحسناء فجأة بعدما رفضت أن تذهب للعيش في قصر الملك بين نسائه، فقد كان هذا الملك مُولعًا بغرام النساءِ الجميلات وامتلاكهِن.

وبعد إنهاء مجزرة الأطفال، اطمأنت نفسه بأن لا أحد سيسلب منه مملكته، ولا أحد سيجلب دينًا جديدًا يغير مجرى حياتهِ؛ لأنَّ الدين الحالي خط بهِ هو ما يشاء، ووضع الناس تحت رحمة الدين كعملية تخدير ذهنية حتى لا يخرجوا عن طوعه، وكذلك أن ينتفع هو مِما يتم دفعه للمعابد.

ومرت السنون، وأصبح الطفل ذو الخمسة أشهر شابًا جميلًا وسيمًا مشهورًا بحكمته، وعلمه، وزهده في الحياة الدنيا، وبأنه يطهر الناس من ذنوبهم ويعمدهم بماءِ الأنهارِ، فأصبحت له شعبية كبيرة بين المجتمعات كلها حتى خارج المملكة، وفي نفس الوقت تولع الملك بابنةِ أختهِ وذللته الأخرى حتى يتزوجها لتكون ملكة رسمية على العرش وليست مجرد خليلة في الفراش كالبقية! فرضخ الملك لها وأراد الزواج بها وحدد يومًا لذلك، فسمع بذلك الشاب وذهب بشجاعةٍ إلى الملك وسأله الهِداية والاغتسال من ذنوبهِ وخطاياه وأنه لا يجوز له ما يفعله أبدًا.

فغضبت المرأة غضبا شديدًا وخشيت أن تفقد مخططاتها خاصة بتمرد وتجرأ هذا الشاب الذي له جمهور! فأمرت ابنتها بالرقص الماجن أمام الملك دون أن تدعه على لمسها، حتى إن أراد ذلك بقوة تطلب منه أن يجلب لها رأس الفتى في طست من ذهب ثم يأخذ ما يُريد منها.

وفعلًا كما توقعت المرأة، فأرسل جنوده وقتلوا الشاب بينما كان في محرابه يتعبد، وأتوهُا برأسه في طست من ذهب.

فغضب الله غضبا شديدًا وانتقم للشاب العابد شر انتقام.

- الشاب هو نبي الله يحيى عليه السلام

- الملك هو هيردوس الثاني

- المملكة هي فلسطين، الأردن، سوريا والشام....وسيناء

- الشابة التي اختفت، هي مريم العذراء

- الطفل الذي سعوا لقتله هو عيسى عليه السلام

للعبرة.

------------------------------

** المعلومات التاريخية الواردة في المقال تستند إلى روايات مختلفة وقد لا تكون متوافقة بالكامل مع النص القرآني.