عتابك حِلو!

 

أنيسة الهوتية

لطالما أُعجبتُ بالقصائد الشعرية والقوافي منذ صغري، من الفصيح إلى النبطي والخواطر النزارية وما دونها، إلّا أنني كنت دائمًا أقول بيني وبيني "يستحيل أن أتزوج من شاعر لا ولن أفعل ذلك أبدًا، لأنَّ الشعراء ماكرون".. وكتبت في مدونتي الخاصة قديمًا خاطرة خفيفة كمثل خفيف مُمارستي وعِلمي بالشعر ومشتقاتهِ بعنوان "شاعر ماكر".

وَرغم ذلك كله... إلّا أنَّ سحر الكلمات مُستمرٌ بالتلاعب بمجساتي العقلية، والقلبية، والروحية.. فقد كنت مصابة بداءِ النَهَم القِرائي، بدايةً من القراءةِ للإمام الشافعي والإمام علي- كرّم الله وجهه- من الكتب التي وجدتها متوافرة في مكتبة أبي. ولكثرة نهمي لم أكن أكتفي، وكنت أبحث عن المزيد، هذا بغير تلاوتي وترتيلي للقرآن الكريم والذي أيضًا كان بمثابة عشق ولازال، وعندما أقرأ القرآن لا أستطيع أن أتوقف من لذة القراءة، إلا علمي بأن عَلي واجبات دنيوية عليَّ إنهاؤها.. والحمد لله الذي أكرمني بحفظ القرآن، حتى أستطيعَ أن أتمتم بقراءته في أغلبِ أوقاتي بين مهامي اليومية، في فترة سياقتي للسيارة، ومشيي، ووجودي أينما كنت.. فكما قلت الكلمات تسحرني، أما آيات القرآن فإنها تُعيد بناء خلاياي الدماغية والجسدية وجزئياتي الفكرية حتى أنها تضخ هرمون السعادة في كياني.

ولكن، كمثل أي إنسان لديهِ نفسًا أمارة بالسوء، فإنني هربت في طفولتي كتبًا ممنوعة عن القراءة وقرأتها، وفيها قصائد عشق وغرام لقيس ابن الملوح، وامرؤ القيس، حتى تدريجيًا وصلت إلى الشاعر اليمني حسين المحضار، والذي وإن لم تكن كتابتهُ بالفصحى إلّا أن اللغة العامية كانت "تذبح" من الوريد إلى الوريد.

وفجأة سَمعتُ "عتابك حلو" والتي غناها أبوبكر سالم، ولم أفهم ما معنى عتاب؟! وكلما كنت أسأل عنها كانت تأتيني الإجابة بأنها مغنية سعودية!! وكنت أستاء لشعوري أن أولئك الكبار يسخرون مني لأني فتاة شابة كثيرة السؤال لم أكمل الثانية عشرة بعد.. وكل ذلك كان في زمن لم يكن العم جوجل "متغوغلًا" فيه بعد.

ثم سمعت مقولة من إحدى الجدات تقول: "العتاب للأحباب"، وبعدها أفهمتني أن العتاب هو أنه حين يكون خاطرك مكسورًا من أحد تحبيه، فعليكِ أن تخبريه بذلك بلطف ولين ومحبة حتى لا يُكررها، دون أن تتحدثي لغيره بما فعله، فذاك هو العتاب.

وبعدها أخبرتني إحدى الصديقات التي تكبرني بأعوام، بأن العتاب هو حين ترين شخصا تحبينه وتهتمين به ولا يرد لك الاهتمام والحب، عليه أن توعيه وتعاتبيه حتى يرجع إلى وعيهِ ويبادلك الاهتمام والحب.

ومع المعلومتين الأخيرتين كنت حائرة بيني وبيني، كيف أعاتب شخصًا على عدم اهتمامه وحبه؟! فأنا لا أريد اهتمامًا رئاء الناس! أو عطفًا.

ثم، كيف أعاتب شخصًا يحبني على فعل آذاني به؟ فإن كان يحبني حقًا، فإنني يجب أن أسامحه لأنه لم يكن يقصد لي الإساءة، والدليل أنه لا يدري بفعله إلى الآن ولا زال تعامله طيبًا معي. أما إن كان قد فعلها عنوة وأراد أن يضرني فأيضًا لا فائدة من العتاب لأنه كان من الأساس يبتغي لي الألم، فإن عتابته سيستمتعُ حين يشعر في عتابي بألمي.

ثم فجأة، بعد عشرات السنين وَفي القاهرة بالتحديد في بطولة رفع الأثقال، قبل المنافسات، سمعت أحدهم يقول لزميله: "يا أخي، بلاش توجع دماغي وقلبي من العتب ده كله، والله العظيم من السُنة إنك تسيب العتاب وخلينا كده أحباب لما نلتقى".

وفعلًا، بحثت وتحققت ووجدت من السيرة النبوية أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يعاتب أحدًا، وكان كثير الإغضاء مترفقًا وأعذرهم للناس مقدرًا لظروفهم.

وتأكدت أن "من السنة ترك العتاب".