مختصون يطالبون بتأهيل الأطفال المعرضين للعنف طبيًا ونفسيًا

العنف ضد الأطفال.. من المسؤول؟!

◄ مشاكل أسرية ومجتمعية قد تعصف بحياة الصغار.. والوعي سلاح لمواجهة إيذاء الأطفال

الرؤية- سارة العبرية

على الرغم من أن جميع القوانين تجرم العنف ضد الأطفال أو إلحاق الأذى بهم جسديا ونفسيا، إلا أنه قد تظهر بعض الحالات التي تستلزم بذل المزيد من الجهد من قبل الأفراد والمجتمعات والمؤسسات الرسمية لتوفير مناخ أفضل للأطفال، بعيدا عن أي إساءات من أي نوع.

وتعرّف رقية بنت علي المعمرية أخصائية نفسية بعيادة الطب السلوكي والنفسي "SJMC"، مفهوم الإساءة للطفل على أنه أي حالة إيذاء أو إهمال يتعرض لها الأطفال دون سنة الـ18 عامة، وتشمل الإساءات الجسدية والعاطفية والإيذاء الجنسي والإهمال.

وتقول الدكتورة سلوى بنت سالم الحوسنية استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين بدولة الإمارات، إن أبرز مظاهر العنف والإساءة ضد الطفل هي الإساءة اللفظية والجسدية والجنسية؛ حيث تتنوع أسباب وعوامل ارتفاع نسبة الإساءة وذلك مثل: المشاكل الأسرية والزوجية، وقلة الوعي بأهمية مهارات التربية لدى الوالدين، وعدم القدرة على التعامل مع بعض سلوكيات الطفال أو التحديات التي يواجهها الطفل، إضافة إلى كيفية أهمية توعية الأطفال.

إحصاءات وأرقام

وبحسب التقرير السنوي الإحصائي لعام 2021، فإن عدد بلاغات أنواع الإساءات الواردة لـ"خط حماية الطفل" التابع لوزارة التنمية الاجتماعية، بلغت 273 بلاغ إهمال، و116 بلاغ حالة نفسية، و187 بلاغ إساءة جسدية، و34 إساءة جنسية؛ وقد بلغ عدد الأطفال المعرضين للإساءة الذين تعاملت معهم لجان حماية الطفل من الذكور 363 حالة، فيما بلغ عدد الإناث 787 حالة.

وترى رقية بنت علي المعمرية أنه يمكن تفسير ظاهرة العنف أو الإساءة للطفل من المنظور النفسي والاجتماعي، من خلال عدة نظريات نفسية وسلوكية، تتمثل النظرية الأولى في التعلم الاجتماعي، حيث تُكتسب السلوكيات المنحرفة من البيئة المحطية مثل الأسرة أو أفلام العنف أو التربية العنيفة، مضيفة أن النظرية الثانية هي النظرية الثقافية الفرعية للعنف بحيث يقدم الأشخاص على ارتكاب العنف دون أي شعور بالذنب وذلك مثل إقدام الشخص على الأخذ بالثأر أو الانتقام لشرفه.

وتوضح أن النظرية الثالثة هي التنظير البيئي، حيث ترجع هذه النظرية إلى عنف الأبوين وعدم وجود توافق وانسجام بينهما وبين الأطفال وحدوث فجوة بين الجيلين، إضافة إلى الظروف المالية الصعبة التي لا تلبي طلبات واحتياجات الأبناء. أما النظرية الرابعة فتسمى مدخل النشاط الرتيب، حيث يقع العنف بسبب رغبة المجرم أو لوجود هدف مناسب يمكن ممارسة العنف عليه أو لغياب الرقابة والعقوبة. في حين تتلخص النظرية الخامسة والتي تسمى بنظرية الموارد في كون أن كل إنسان لديه نزعة عدوانية تظهر عندما لا يستطيع أن يحقق رغباته أو طموحه أو نزعاته، لكن عندما تتوفر لديه مصادر مادية ومعنوية مثل امتلاك المال والجاذبية الشخصية أو الجمال أو القوة الجسدية، فإنها تقوم بامتصاص نزعته العدوانية وتحولها إلى التحكم والسيطرة على الآخرين.

ثقافة العنف!

ويبيّن الدكتور سرحان بن حويريش العتيبي المختص في الإرشاد النفسي بالسعودية، أن شيوع ثقافة العنف عند الأطفال هو مؤشر غير جيد لما له من عواقب وخيمة، وأن الطفل بحاجة إلى تأهيل علمي يستطيع من خلاله الحد من الآثار الناتجة عن العنف.

ويحث العتيبي على أهمية الصراحة والوضوح مع الأطفال من الجهات المعنية المنوطة من الأسرة والمدارس ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، لأن الأطفال لديهم احتياجات عاطفية يجب على الآباء فهمها وتلبيتها، وتوفير الحب والاحتواء لهم، وتعزيز التواصل مع المؤسسات التربوية كالمدرسة ممّا يساعد على الكشف عن أيّ انحرافٍ في السلوك من بدايته قبل أن يتفاقم،مضيفا: "لا بدّ من ذكر أهمية دور المعلمين والمرشدين النفسيين والاجتماعيين في المدارس، لرصد حالات العنف بين الأطفال، والسعيّ إلى تحليل أسبابها، والوصول إلى المعالجة السليمة".

 وذكرت وزارة التنمية الاجتماعية في تقريرها لعام 2021، أن عدد حالات الأطفال دون سن 18 المعرضين للإساءة التي تعاملت معهم لجان حماية الطفل بمحافظات السلطنة في عام 2016م، حوالي 299 حالة، نتج عنها ما نسبته 47% من الإناث و53% من الذكور، موزعة حسب نوع الإساءة على: الإهمال 55%، وإساءة جنسية 24%، وإساءة جسدية 18%، وإساءة نفسية 3%.

وتعتقد الحوسنية أن الإساءة والعنف ضد الأطفال لا يمثلان مشكلة حديثة لكنها موجودة في مختلف المجتمعات والثقافات، إلا أن زيادة وعي المجتمع والأفراد بالآثار السلبية الناتجة عن العنف على صحة الطفل النفسية؛ أدى إلى زيادة الاهتمام وتسليط الضوء أكثر عليها، مشيرة إلى أن الوقاية خير من العلاج وذلك بتقديم دورات في مهارات التربية لكل المقدمين على الزواج والوالدين بشكل عام، وتوافر برامج مجتمعية توعوية بأهمية الصحة النفسية للطفل، وبرامج توعوية بالتحديات التي قد يمر بها الطفل سواء نتيجة وجود أي اضطراب نمائي أو ذهني ورفع مستوى الوعي، كذلك تفعيل دور المدرسة في توجيه الأهالي وملاحظة سلوك الطفل وأدائه الاجتماعي والأكاديمي.

وتفيد أن عملية تأهيل الأطفال بعد تعرضهم للعنف يأتي بعد التقييم الشامل للطفل، متضمنا تقييما نمائيا ونفسيا وتقييم مهاراته اللغوية والاجتماعية، ودراسة الحالة الاجتماعية والأسرية لتحديد العوامل، كما يجب بعد التقييم تحديد الأعراض الناتجة عن تعرض الطفل للإساءة ووضع الخطة العلاجية المناسبة.

التأهيل الطبي والنفسي

من جهته، يتفق الدكتور عبدالله بن صالح الطحيني استشاري في الطب النفسي بالمملكة العربية السعودية، مع ما تراه الحسنية حول عملية التأهيل، مؤكدا ضرورة تأهيل الأطفال بعد التعرض للإساءة ورعايتهم طبيا ونفسيا وعرضهم على فريق التدخل في الأزمات إن وجد، لأنهم يحتاجون لتقييم نفسي شامل وعميق، بالإضافة إلى أهمية التركيز على مخاوفهم وأفكارهم من خلال جلسات نفسية مقنّنة، مشددا على ضرورة تكثيف الفعاليات التوعوية لتثقيف المجتمعات وإطلاعهم على طريقة الإبلاغ في حال التعرض للعنف.

ويُبيّن أن ثقافة التعامل الحسن مع الأطفال هي مسؤولية توعوية كبيرة ينبغي على المختصين نشرها وإيصالها للمجتمعات، وتوعيتهم بطرق التربية الصحيحة والعلمية، وأن الضرب المؤذي له تبعات وخيمة حاضرة ومستقبلية قد تعيش مع الطفل حتى شيخوخته وقد تحدد شخصيته بشكل كبير.

وتطالب الأخصائية النفسية رقية المعمرية، بوضع استراتيجية وطنية محورها الأطفال تكون متكاملة ومتعددة التخصصات للتصدي للعنف ضد الأطفال، كما يجب أن تتضمن حصول المتخصصين والآباء على ما يكفي من التدريب بشأن آليات منع العنف والتصدي له.

وتشير إلى أن هذا العام الذي يصادف الاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاعتماد اتفاقية حقوق الطفل، يعد فرصة سانحة لتعزيز هذا المسعى ووضع مسألة حماية الأطفال من العنف في صميم برنامج السياسات، مشددة على التوعيّة المجتمعيّة ودور الإعلام والوزارات المعنية في قضيّة العنف ضدّ الأطفال.

وتسعى وزارة التنمية الاجتماعية ممثلة في دائرة الحماية الأسرية إلى توفير الحماية لكل طفل على أرض السلطنة، لضمان سلامته وصحته وأمنه واستقراره والحفاظ على حقوقه، حيث طوّرت الدائرة عددا من الآليات لتحقيق مصلحة الطفل، وفي هذا الإطار جاءت فكرة إنشاء خط حماية الطفل لتلقي البلاغات عن حالات العنف والإساءة ضد الطفل، ووضعت الوزارة خططا مرسومة للنهوض بخدمة جديدة وحديثة تحت مسمى "خط حماية الطفل 1100" تماشيا مع مواد قانون الطفل والالتزام باتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها السلطنة بموجب المرسوم السلطاني رقم (96/54).

العنف المنزلي

وأوضحت رقية المعمرية أن السلطنة من المجتمعات المحافظة ليس من المعتاد تسجيل حالات عنف أسري ضد الأطفال أو النساء أو حتى العمالة المنزلية الوافدة، رغم أنه وحسب بعض الشهادات التي تعامل معها المركز العماني لحقوق الإنسان بعد استقصاء محدود شمل عدداً من النساء والفتيات العمانيات، فإنَّ استجابة السلطات لأي عنف تجاه "المرأة" تعتبر معقولة نوعا ما، إلا أنه من النادر تبليغ عن العنف ضدّ الأطفال، ولعل حالات العنف المنزلي في المناطق الريفية أو خارج المدن الكبرى في عُمان تعد أسوأ، حيث إن العادات والتقاليد لا تسمح بأي نوع من التبليغ ويُفسَّر أي نوع من العنف المنزلي الواقع على المرأة أو الطفل بأنه شأن منزلي خاص، وهو ما يحيط هذه القوانين بغموض وقصور ولبس وينأى بها عن التشريع الواضح الصحيح، ويجعلها عرضة لانتهاك مستمر لحقوق المرأة والطفل.

وتقول إنه بالرغم من إجراء العديد من المسوحات الوطنية، إلا أنه ما زال نقص البيانات بخصوص العديد من البلدان قائما، ويرجع ذلك إلى أن إساءة معاملة الأطفال من المسائل المعقدة التي تصعب دراستها أو رصدها. وتوضح أن ثمة تباين واسع بين التقديرات الراهنة- وذلك حسب البلد- وأسلوب البحث المنتهج، وكذلك الحال في السلطنة؛ حيث يعد المدى الحقيقي لمشكلة سوء معاملة الأطفال مخفي لأسباب عدة، منها الافتقار إلى نظام موحد للتبليغ عن حدوث واقعة، وتخوف مقدمي الرعاية الصحية الأولية من تعرضهم للعقاب عند الكشف عن شخص مسيء في عائلة ما، وتخوف الآباء من الشعور بالعار إذا ما وقفوا بمفردهم ضد التقاليد الثقافية الثابتة. وتضيف أنّ حقيقة ترسخ بعض من الممارسات في المجتمع والمقبولة ثقافيًا لدرجة عدم اعتبارها سوء معاملة، تمثل أحد تلك الأسباب.

تعليق عبر الفيس بوك