ماذا لو كان طبيبك "روبوتًا"؟

 

مؤيد الزعبي

ماذا لو حجزت موعداً مع طبيب في أحد المستشفيات وتفاجأت عندما وصلت بأنَّ الطبيب روبوت، أعتقد أن الأمر سيكون سهلًا عليك فيما إذا وجدت نفسك في غرفة العمليات تحت أذرع روبوتية وهي من ستقوم بإجراء العملية لك، ولعل هذا الأمر يأخذنا لتساؤل مهم: هل نثق بالروبوتات الثقة الكاملة لنسلمها أرواحنا؟ أو نثق بقدراتها فنثق بأنها ستكون سببًا في علاجنا وتخلصنا من أوجاعنا؟ أعتقد أنَّ الإجابة على هذا السؤال تختلف كثيرًا عما كانت عليه قبل 5 سنوات، وستختلف تمامًا عن الإجابة التي سنسمعها بعد 5 سنوات.

الروبوتات قادمة لا محال؛ لنجدها في عياداتنا وفي مراكزنا الصحية ومستشفياتنا بمختلف التخصصات، ويومًا بعد يوم يصبح الروبوت جزءًا أو أداة لا يمكن الاستغناء عنها في عالم الطب، وسواء أكنا نثق أو لا نثق إلا أنَّ الروبوتات لديها الحلول للكثير من المشاكل التي يعاني منها القطاع الطبي، والمقصد هنا النقص في عدد الخبراء أو الجراحين أو بعض المتخصصين بالتخصصات الدقيقة التي تربك هذا القطاع، أو حتى المشاكل المتعلقة بالأخطاء الطبية وعدم قدرة الأطباء على العمل تحت الضغط وصولًا للدقة الكبيرة التي يتطلبها العمل الطبي في بعض الأحيان والتي يصعب إيجادها بشكل مستمر في غرف العمليات وفي غرف التشخيص، ولهذا لن نجد أدق وأكثر قدرة على القيام بهذه المهام الصعبة أكثر من الروبوتات الطبية.

كشفت شركة "Zhongrui Funing Robotics" الصينية عن ابتكارها في المجال الطبي والمتمثل في الروبوت "OR" الذي يُعد أول روبوت صيني 100% يُستخدم في إجراء العمليات الجراحية الحساسة للعين، وقد يقول قائل بأنَّ الروبوتات هذه جاءت لتحل محل الأطباء وبأن المتخصصين في هذه الجراحة سيتأثرون سلبًا بمثل هذه الاختراعات، ولكن في الحقيقة أن الصين مثلًا بحاجة لأكثر من 160 ألف طبيب عيون مُؤهل حسب ما قالته جمعية طب العيون الصينية، في حين أن هناك فقط 40 ألف طبيب عيون مؤهل في الوقت الحالي، ولهذا مثل هذه الروبوتات ستساعد كثيرًا في علاج المرضى، وستساعد في تخفيف الضغط على الأطباء وتسهل من الوصول للأماكن النائية أو للريف، وهذه الجوانب الإيجابية يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، وأن نؤمن بأن الروبوتات صنعت لتساعدنا قبل أن نخافها أو نخاف من وجودها.

دخول الروبوتات إلى المجال الطبي ليس أمرًا سيئًا؛ بل أمر إيجابي بامتياز؛ فمعظم المشاكل التي نعاني منها في هذا المجال تتعلق بسوء الخدمة أو بالتقصير في بذل كل ما يلزم لتخفيف الآلام أو الاهتمام بالمريض بشكل فائق يجعله يقاوم أوجاعه وأمراضه، وأعتقد أنَّ الربوتات يمكنها القيام بهذه الواجبات على أكمل وجه، فمع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي بات من الممكن للروبوتات أن تقدم أنواعا كثيرة من الرعاية الطبية التي نُريدها، وبدلًا من وجود ممرضة تتناوب على أكثر من مريض يمكن أن يكون هناك روبوت لكل مريض يقوم برعايته ويُقدم له ما يلزم من رعاية صحية خصوصًا للمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون لعناية فائقة ومستمرة، وأيضًا للمرضى الذين قد أجريت لهم عمليات جراحية تتطلب متابعة حالتهم بشكل دقيق ومستمر وقياس متغيراتهم الحيوية، بل يمكن أن تكون الروبوتات الصديق والزميل الذي يلازمك أثناء مرضك ويعتني بك ويحدثك ويتحاور معك.

لقد قامت عدة شركات حول العالم بابتكار روبوت يقرأ ملامح وجه المريض ويقيس حجم ألمه، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ مثل هذه الخدمة كم ستسهل على العاملين في المجال الطبي من الشعور بالمريض وبحجم الألم الذي يعاني منه المرضى، ولا تقول لي إنك مازلت لا تثق بالروبوتات، أنا شخصيًا عندما قرأت هذا الخبر تمنيت أن أجد روبوتا مثل هذا في كل غرفة وكل زاوية من المستشفيات لتقييم حجم الألم الذي لا يشعر به إلا صاحبه "والروبوتات طبعًا"، ومثل هذه الأمور تجعل القطاع الطبي أكثر قربًا من المريض وقادرة على تفهم أوجاعه بشكل أفضل وأكبر.

المجال الطبي مجال معقد جدًا، والخطأ فيه قد يؤثر على حياة إنسان أو يفقده إياها، ولهذا كلما وصلنا لدقة في التطبيب أو الدقة في التشخيص كلما حللنا الكثير من المشاكل، وأنا أتخيل أننا سنكون قادرين على تشخيص أوجاعنا بشكل أدق في قادم السنوات خصوصًا عندما تقوم الروبوتات بدراسة مؤشراتنا الحيوية ومراجعة تقاريرنا الطبية وملفنا الطبي، والرجوع لتاريخنا المرضي والتاريخ المرضي الوراثي، والقيام بتحليل جميع هذه البيانات لتشخيص أمراضنا أو التنبؤ بحالتنا الصحية واختيار أسلوب العلاج الأنسب والأنجح، ومتابعة النتائج والتطورات بشكل مستمر وبناء عليه القيام بتعديل الأسلوب العلاجي أو تغييره أو تطويره.

عامًا بعد عامٍ سوف تتطور الربوتات الطبية لتصبح قادرة على القيام بكل ما هو صعب، وسيصبح عملها مهم جدًا في غرف العمليات والمختبرات وغيرها من الأقسام، وسوف نجدها تتجول في مستشفياتنا وتقدم لنا الرعاية الطبية، وليس هذا فقط؛ بل ستدخل أجسامنا بأحجام صغيرة لتقوم بدراسة حالتنا الطبية بشكل دقيق جدًا هذا بخلاف تطور علوم الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي خصوصًا وأن المعلومات المدخلة إليها سوف تكون كبيرة جدًا وشاملة مما يسهل الكثير من الأمور مستقبلًا، وعلى جانب آخر ستساعدنا الربوتات في إيصال الخدمات العلاجية وقت الأزمات وفي أوقات انتشار الأوبئة، وقد تكون سببًا في وقف انتشار العدوى لكونها لا تتأثر بها بعكس الكوادر الطبية التي تعاني في مثل هذه الأمور، ولعل جائحة كورونا واستخداماتنا البسيطة للربوتات تعطينا لمحة بسيطة عما يمكن أن تقدمه لنا في قادم الأيام.