علي بن مسعود المعشني
لم يستوعب الغرب سر موقف روسيا ووقوفها الحاد مع النظام السوري بعد عام 2015 بالتحديد؛ أي بعد مضي 3 أعوام على المُخطط الغربي لتدمير سورية؛ حيث كان الغرب حينها يراهن على شراء الموقف الروسي في لحظة ما، بجملة مكاسب له في سورية "الغد"، مُقابل السماح بتمرير المخطط الغربي لسورية، كما لم يكن الغرب يعتبر تلك المواقف أكثر من أوراق سياسية يرغب الروس في تعظيمها لتحقيق أعلى سقف من المكاسب لهم في سورية والمنطقة عمومًا.
لم يُدرك الغرب حينها أن دمشق هي موعد إعلان ولادة روسيا جديدة تسمى "روسيا البوتينية"، روسيا التي ستكون الوريث الشرعي المُحسن والمُطور للاتحادي السوفييتي، روسيا بعقائد سياسية وعسكرية جديدة ومختلفة كليًا عن الإرث السوفييتي، وبهوية داخلية ليبرالية واقتصاد حر ورأسمالي كذلك.
بدأ الغرب يستفيق من غفوته ويشعر ببعض التحولات في روسيا البوتينية بعد عدد من قرارات الفيتو الروسية المتلاحقة بمجلس الأمن ضد قرارات أو مشروعات تتعلق سلبًا بسورية وأزمتها.
كانت كييف حينها على مستودع الأحداث بعد تغيير حكومتها من قِبل الغرب عام 2014 بمزاعم ثورة ملونة صُممت للقضاء على النظام الأوكراني الموالي لروسيا، بينما بادرت روسيا- بدورها- باحتلال شبه جزيرة القرم بقصد الحفاظ على خطوط الملاحة وتعطيل انضمام أوكرانيا لحلف الناتو كدولة لها أراضٍ تحت الاحتلال.
عملت روسيا على تسويق "البوتينية" بقوة عبر بوابة دمشق، بعد أن نجح النظام السوري بمؤسساته الحرجة في الصمود منفردًا، وتحمل جُهد الحرب طيلة ثلاث سنوات؛ حيث اطمأن الروس واقتنعوا بقوة الحليف السوري وتماسك نسيج الدولة ورسوخ سياساته وصلابة مواقفه.
كان الروس في زمن الانغماس بالملف السوري والنزال على الأرض السورية مع الغرب وأدواته، يعدون العدة ويسرجون خيولهم بصمت للمنازلة الكبرى مع الغرب على أرض أوكرانيا والتي أرادها الغرب ساحة معركة و"أفغانستان جديدة" لسقوط "البوتينية".
وبما أنَّ الغرب- بقيادة أمريكا- يجربون المُجرَّب ويستخدمون ذات الوصفة لجملة من المشكلات، فقد وقعوا في شرور مخططهم، واستنهضوا جميع خصومها وثأراتهم القديمة مع العالم، إلى حد إشهار عالم متعدد الأقطاب ونُظم ثورية يسارية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكأن الزمن يعود بنا إلى حقب الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
لا شك عندي- وعند كثير من المراقبين- أن الأزمة الأوكرانية ستكون بمثابة القشة التي تقصم ظهر الرأسمالية الغربية المتوحشة والقطبية الواحدة، وستُظهر حجم الغرب الحقيقي ومدى حاجة العالم إلى نظام عالمي جديد تسوده الروح الإنسانية والندية في العلاقات الدولية وتنتهي منه وسائل استغلال الشعوب ونهب ثرواتها في وضح النهار. الأزمة الأوكرانية برهنت وبقوة على أن العالم بحاجة ماسة إلى التعاون والتكامل وتكافؤ الفرص بين الدول تحت شعار لكل مجتهد نصيب، كما برهنت هذه الأزمة بأن الطاقة والغذاء حق إنساني لا يجوز استغلالهما أو توظيفهما كسلاح في الخصومات والحروب والمواقف السياسية.
الأزمة الأوكرانية رسخت قوة تجمع "منظمة شنغهاي"، وهذا التجمع يضم نصف سكان العالم وأكثر من نصف ثرواته الطبيعية وسيولته المالية، وهذا كفيل بزلزلة مكانة الغرب المالية والاقتصادية وإشهار عملة بديلة للدولار واليورو وإلغاء مفاعيل وآثار سياسات الغرب في التفنن بحصارات الشعوب وتجويعها وإفقارها عبر القرارات المباشرة أو عبر أدوات الغرب الأخرى والمتمثلة في صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.
ولا أستبعد- شخصيًا- في حال مكابرة الغرب وتصعيده أكثر واستمراره في الخضوع التام لعقلية "الكاوبوي الأمريكي" أن تظهر أصوات كثيرة حول العالم تنادي بقيام منظمات دولية جديدة أكثر عدلًا وقانونية كبديل عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية المنضوية تحت هذه المنظمات، والتي برهنت خلال فصول ومراحل الأزمة الأوكرانية على أنها أدوات غربية بامتياز، وليس لها أي نصيب من الأممية.
قبل اللقاء: يقول الزعيم الصيني ماوتسي تونج: "هناك حركات صغيرة غير مرئية تكون سببًا في تغيير مجرى التاريخ".
وبالشكر تدوم النعم..