خليفة بن عبيد المشايخي
تكشف لنا الأيام بعد مضي كل حقبة زمنية منها معادن الكثيرين وتربيتهم وتوجههم وأخلاقهم وميولهم، وتزل قدم بعضهم قبل وبعد ثبوتها، على اعتبار أن كل ابن آدم خطاء، إلا أن خير الخطائين التوابون، وتمضي أوقات الإنسان أحياناً كثيرة حبلى بما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، وتطوف حالاتهم كاشفة عدم وجود وازع ديني بداخلهم، ولا رادع بشريًا يردهم كولي الأمر أيا كان، وتبين أفعالهم وتصرفاتهم وسلوكهم، عدم تحليهم بأخلاق الإسلام ولا بالتربية الإسلامية الصحيحة، التي يجب أن تكون مغلفة ومحاطة بالحياء، والخوف من الجليل والعمل بالتنزيل.
ومن جانب آخر إن الأشخاص الذين يقومون به، يكشف الستار عن زيف ورداءة ودناءة ما هم ماضون فيه، وأنهم عن الحق صم بكم عمي، والمولى عزَّ وجلَّ قال عن أمثال هؤلاء: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ. فيا سبحان الله
إن المولى عز وجل أرسل الأنبياء والرسل لعباده كافة ليبلغوهم دينه، وليوضحوا لهم معالم الطريق والهداية، من أجل إخراجهم من الضلالة إلى النور، وتأتي النذر والإشارات والتلميحات لهم من لدن رب العزة والجلال، أن يا عبدي كفى تفسخا وابتذالا فانتبه، فأنت في مسار خطأ وفاضح وتوقف، وعليك إصلاحه ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب عليه، والسعي إلى ترميم ما انكسر منك، وما ذهب بالشرف والعفة والحياء فيك، وما كان منك من سلوك مشين وسيئ.
ورب العزة والجلال من شأنه أن يمهل العباد ولا يهملهم، فقال جلَّ جلاله: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ"، وقوله : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا .. أي : أفظننتم أنكم مخلوقون عبثا بلا قصد ولا إرادة منكم ولا حكمة لنا، وأنكم إلينا لا ترجعون، أي لا تعودون في الدار الآخرة، كما قال: أيحسب الإنسان أن يترك سدى، يعني هملا.
ومنذ القدم عرف أن رأس مال الإنسان سمعته، فإن كان يأتي بأعمال وأفعال مخلة بالأدب والشرف، فسيسقط من أعين رب العالمين ومن أعين الناس جميعًا، إلا الذين مثله ومن طنجته، وسيستنكرون فعله ذاك، وقديما قالوا.. كُل الذي يعجبك والبس الذي يعجب النَّاس، أي في حال أكلت بنفسك فلن يراك أحد من الناس، أما إذا لبست لباسا فاضحا ومخالفا وغير محتشم ولا ساتر وظهرت به أمام العوام والخواص، فأنت تعري نفسك، وتعرف الآخرين أنت من، وبهذا الفعل ستكون شاذا عنهم، وبالتالي ستستحق النقد والتوبيخ والهوان.
ورغبة الإنسان في إصلاح نفسه وغيره، أمر متاح ومشروع، ويجب أن يكون ذلك على الدوام مطلبا، ويسأل الله تعالى ذلك دوما.
وهذه الرغبة والشعور، عادة ما تكون بين الإنسان وربه، فمحل نظره تعالى قلوبنا، فإن وجد فيها هما أنه يا حبيبي يا الله، أريد إصلاح نفسي فاصلحني، فالمولى عز وجل يعطي ويوفق ويسدد وييسر ويرتب، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وربنا تعالى قال: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
إذن مسألة أن يريد الإنسان صلاحا لنفسه أو لغيره، ليس بالأمر الهين، وإنما يحتاج ذلك الأمر وذاك التوجه، مجاهدة النفس على الالتزام بأوامر الله تعالى، والابتعاد عن ما نهى عنه.
وقديمًا قالوا إذا القلب فيه "حاحاة"، فالعين تهل دموعا، أي قلب الإنسان إذا فيه هم كبير بسبب أمر ما أو موضوع ما، فسينعكس ذلك الهم على شكله وجوارحه، وما يأتيه وما سيصدره، لدرجة أن من قوة الهم والتفكير، لربما ستصل إلى مرحلة البكاء وهكذا.
إنه للأسف بات الكثير من الناس اليوم سالكا للغواية والضلالة بشكل علني ومجاهر به، واتخذ ذلك هواية وطريقاً يضل من خلاله متابعيه الذين يبحثون عن المتاع الرخيص، والذين يلهثون وراء الحرام والمتعة والنظرة والخلوة الحرام، ويجرون وراء الشهوات والملذات الزائفة، فهؤلاء يبارزون الله بالمعاصي والذنوب، وبالرذيلة وبكل ما هو مخل بالأدب والشرف، ويرى فعله هذا وذاك والعياذ بالله، أمرا عاديا وليس به شيء، فهم بين مخالفة يومية لأوامر الله تعالى، وبين فضح أنفسهم بعدما سترهم الله جلَّ جلاله كثيرا .
ويكبر ذاك الإنسان ويشيب، ولكن لا زال ممارسا لغوايته، وربما لفجوره، لأنه كان أولا نظرة فابتسامة فموعد فلقاء، أما الآن فرسالة تلو رسالة في الخاص، تليها كلام مدح وغزل على أنه إعحاب وحب إلى آخر هذا الكلام، وتنتهي تلك القصة وذاك المشروع، بطلبات صور خاصة، وبعلاقات آثمة، وبالحديث في الهاتف لساعات طويلة، إما صوتيا أو بالمراسلة، ومن ثم الدعوة إلى الاستمتاع الحرام، عبر لقاءات خاصة، يتم قبلها تقديم وعود وعهود بأن ذلك سيبقى سرًا عن الآدمي فقط، وأن السر سيظل محفوظا، ولن تكون هناك خيانة بإخبار الزملاء والأصدقاء بتلك العلاقة الشهوانية البحتة.
ويستمر هذا المسلسل وهي غير آبهة بفعلها الفاضح، وإن نصحت بالحسنى كرهوك وعادوك، وقيل عنك متخلف..
فها هي مصيبة عظيمة فعلاً لأنه من شبَّ على شيء شاب عليه، والله تعالى يقول " لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ". فيا سبحان الله.
يقول الأولون هذا زمن السكوت واصبر على المغضة لين توت.
نعم بات ذلك حادثا من زمان، ولكن لا ينطبق هذا القول على الكل.