الصين ومرحلة التنمية الجديدة

 

تشو شيوان **

رغم أنَّ الصين مرَّت بمراحل كبيرة من التنمية والتطور، ويعد تاريخ الصين الحديث معجزة تاريخية ونموذجاً يحتذى به بالتطور والتنمية، ورغم أنَّ هذه الإنجازات الكبيرة قد تكون كافية لبناء مستقبل جيد للصين والصينيين ولكن بالمفهوم الصيني هذا ليس كافيًا؛ إذ تسعى الصين لبناء مستقبل يتسم بالتنمية المستدامة القادرة على مواجهة الظروف المتغيرة، خصوصًا وأن العالم يمر بمراحل من الركود والأزمات التي قد تعصف بمسيرة التنمية، ولذلك يجب أن يتم وضع خطة تتناسب مع هذه الظروف.

ولهذا تسعى الصين لبناء خطتها التنموية الجديدة، والتي طرح خطوطها العريضة الرئيس الصيني شي جين بينغ قبل أيام خلال في كلمة منشورة في العدد الـ17 لهذا العام من مجلة "تشيوشي"، وهي مجلة رائدة تابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

وتشتمل مرحلة التنمية الجديد على ركائز أساسية أهمها بناء دولة اشتراكية حديثة بشكل شامل تأسيسًا لأهدف جمهورية الصين الشعبية في المئوية الثانية، والتي تركز على فئة الشباب وتقوية هذه الفئة الهامة القادرة على العطاء والبناء وحمل الإنجازات التاريخية للبلاد لآفاق جديدة، وعند الحديث عن الاشتراكية الحديثة، فنحن نتحدث عن اشتراكية ذات خصائص صينية، وهو مفهوم حديث للاشتراكية والتي تتناسب مع متغيرات العصر وخصائصها أكثر مرونة من الاشتراكية القديمة، والصين متمسكة بهذا النموذج وترى أنه الأفضل للصين وللشعب الصيني، والتنمية الحديثة للصين ستعزز من هذا المفهوم وتجعله أكثر شمولية ضمن عمل مؤسسي واضح وهادف.

وعندما نتحدث عن التنمية، فإن جزءًا كبيرًا من هذه التنمية معتمد على التنمية الاقتصادية والاقتصاد الصيني ما زال ينمو سنة بعد سنة، محققًا أرقامًا إيجابية، خصوصًا وأن الصين لم تعد تصدِّر للعالم المنتجات والبضائع فقط؛ بل أصبحت تصدر للعالم المعرفة والتطور والعلوم والتكنولوجيا الحديثة. وأيضًا وجدنا أن هناك نموًا كبيرًا في قطاع الخدمات والاقتصاد المعتمد على المعرفة، وهذا كله سيتم التركيز عليه في خطة التنمية الحديثة؛ بل سنجد أن الصين ستتجه نحو إثبات قدراتها وقدرة عقولها وشركاتها على تقديم ابتكارات تغير حياتنا للأفضل.

وعندما أتحدث عن التنمية في هذا العصر، أتذكر كلمات مُهمة للرئيس الصيني، وصف من خلالها عصرنا الحالي ومسيرة التنمية العالمية، فقال: "إنه عصر محفوف بالتحديات، كما إنه عصر مليء بالآمال، وعلينا أن نُدرك الاتجاه العام لتنمية العالم، ونرسّخ الثقة ونتخذ خطوات ملموسة، ونحشد القوة والطاقة لتدعيم التنمية العالمية وخلق معادلة تنمية تتسم بالنفع للجميع والتوازن والتناسق والشمول والتعاون والكسب المشترك والازدهار المشترك". هذه الكلمات توضح لنا رؤية الصين للتنمية والتي تتمثل في القناعة التامة بأن التنمية ما هي إلا عمل مشترك سواء داخل دولة مُعينة أو دول تتشارك في رؤية واحدة لبناء تنمية تتناسب معها ومع طبيعتها، وأيضًا من خلال هذه الكلمة نستطيع أن نفهم أن اتجاه التنمية الحديثة للصين قائم على المنفعة المتبادلة وملتزم بالسلم والسلام العالمي، فالصين تؤمن بمفهوم التعايش والتناغم لبناء مستقبل أفضل للبشرية.

خلال السنوات القليلة الماضية، جذبت الصين أنظار العالم في مختلف المجالات، ولعل هذا ما جعل الصين تدرك أنها أمام مرمى الأعين في كل خطوة تتخذها، ولهذا وجدناها تسابق الزمن لحصد المزيد من الإنجازات وتحقيق التفوق في مختلف الأصعدة. ومن وجهة نظري، فإنَّ التنمية الحديثة للصين ستهتم بهذه النقطة تحديدًا، فعندما تبلغ القمة يصبح من الصعب الحفاظ على هذه النقطة، لكن للصين رأي آخر، فنحن نؤمن بقدراتنا ونؤمن بأننا ما زلنا في طريقنا نحو القمة ولم نصل بعد، وأن ما حققناه من إنجازات ما هو إلا بداية الطريق.

 

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية