لماذا تتأخر مشاريعنا؟

 

خلفان الطوقي

هناك حراك حكومي وعمليات تصحيحية في مُعظم الجهات الحكومية منذ نهاية عام 2020، لكن أغلبية النَّاس لا تراها أو تحس بها، معظم ما احس به الناس هو ما لامس حياتهم اليومية مثل ضريبة القيمة المضافة، وتقاعد من أكمل 30 عامًا وأكثر، أما باقي أو معظم البرامج والمبادرات الحكومية، فقليل من الناس من هو ملمٌ بها، وهناك أسباب كثيرة لعدم اهتمام المجتمع بها، وأحد أسباب عدم الإلمام بها، الفترة الزمنية بين الإعلان عن المشروع أو البرنامج الحكومي وبين تنفيذه في أرض الواقع، ووقت تطبيقه أو الاستفادة منه، أو رؤيته في الواقع، فياترى ما سبب هذا التأخير بين كل مرحلة ومرحلة أخرى؟

بالمختصر، هناك أسباب عديدة، ويمكن تقسيم الأسباب على النحو التالي:

إدارية: عدم تحديد رؤية أو خارطة عمل واضحة لبعض المشاريع أو البرامج، متى تبدأ؟ ومتى يكون التنفيذ؟ ومن المسؤول عن التنفيذ؟ والإشراف؟ والتقييم؟ وصرامة تطبيق الجزاءات في حال التقصير؟ وتحديد معايير التنفيذ؟ وما هي مؤشرات الإخفاق؟ ومَنْ المُخوَّل بالتوقيع؟ وإن وجد كل ذلك نظريًا، إلا أنَّ هناك تهاون في نقطة معينة، تزيد الفجوة بين ما هو مخطط في الورق، وما هو منفذ في الميدان.

فنية: ندرة توفُّر كفاءات فنية يمكنها تقليص الفجوة بين المخطط والمنفذ، إلّا بالاعتماد الكلي أو شبه الكلي على المكاتب الاستشارية، وبعدها الانتقال إلى الشركات التنفيذية، وهذا يزيد من الوقت الضائع بين مرحلة وأخرى.

مالية: نقص الاعتمادات المالية أو تأخرها أو تبرير صرفها وخاصة في الأعوام الأخيرة، واتباع سياسات التقشف في معظم الجهات الحكومية، مما يجعل بعض الجهات مكتوفة الأيدي بين الواقع والطموح، وبالتالي زيادة وإطالة المدة بين الإعلان ورؤية المشروع في أرض الواقع.

نفسية: كثيرٌ من المسؤولين بسبب تركيزهم على العمل الروتيني اليومي، أصبح لديهم حاجز نفسي من تبني إنجاز المشاريع أو البرامج النوعية، ومع الأيام يتضاعف قلقهم وخوفهم، مما يزيد الهوة في اتخاذ قرار التنفيذ، وبالتالي تتضاعف المدة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك اعتقاد سائد لدى بعض المسؤولين بأن من "يعمل أكثر يخطئ أكثر"!! ويكون معرضًا للتقييم والمحاسبة، ومن هنا يرى أن التسويف والمماطلة مُنقذ له.

مجتمعية: تتأخر كثيرًا من البرامج أو المبادرات الحكومية خوفًا من ردات الفعل العنيفة من المجتمع، وعدم إيجاد خطط لكيفية مواجهتها؟ ويؤدي ذلك للمفاضلة بين الإقدام والجسارة أو التراجع، فيجد البعض أن خيار التراجع والإلغاء هو الأفضل.

قانونية: كثير من المبادرات والمشاريع الحكومية يُعلن عنها، وربما لا ترى النور بعدما تتصادم بالتشريعات والقوانين التي لم تعلم عنها وقت الإعلان عن مشروع معين، مما يؤدي إلى تعطيل أو تأجيل المشروع إلى فترة أطول بكثير مما هو مخطط.

ما سبق تشخيصٌ افتراضيٌ، ربما توجد أسباب أخرى أكثر دقة، لكن هناك "رواسب" و"مفاهيم" على نطاق كبير في المجتمع ترى أن مشاريعنا تتأخر، وخجولة، ومكلِّفة.. وبغض النظر عن صحة هذه الفرضيات من عدمها، عليه فلا بُد للحكومة أن تزيل هذه التحديات والعوائق من خلال "حوكمة" صارمة ودقيقة منذ لحظة الإعلان عن المشروع، والتوقيع، والإسناد، والإشراف، والتنفيذ، والتقييم، والمحاسبة، والدورس المستفادة من هذا المشروع لتفادي الأخطاء مستقبلا، وإلّا تأخرت معظم مشاريعنا من ناحية، وظلت وتعمقت الرواسب والشكوك المجتمعية التي تزيد من السخط وهشاشة الثقة فيما بين المجتمع والحكومة.