وسائل التراشق الاجتماعي‎‎

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

يبدو أنَّ الصواب لم يجانبني في اختيار هذا العنوان، بل ولا أظن ثمّة من يختلف عليه؛ ذلك لأنَّ الواقع الافتراضي يشهد بذلك مع الأدلة الدامغة والحجج البالغة والبراهين الساطعة، فكلما حدثتنا النفس الأمارة بالولوج لوسيلة من وسائل الاتصال وما أكثرها، لم نجد سوى أرطال وأطنان السب والشتم والقذف والكذب والتشهير والمشاكسات والمناكفات بقذائف هاون وبطائرات مُسيرة.

فعن يمينك تغريدة مُفخخة وأخرى صورة فاضحة، وفوقها أو أعلاها سؤال خادش للحياء، وعن شمالك تسوّل مقيت، وخامسة الأثافي الأقنعة المزيفة التي ليس لها همٌ سوى نشر الإشاعات المغرضة وإثارة البلبلة والقلاقل بين أفراد المجتمع ونشر الرذيلة والتلميع للفكر المنحرف بزخرف القول غرورا، والتسكع ليل نهار في أروقة المساحات الشاسعة لتلك الوسائل فالذكر أنثى والأنثى ذكر، كل ذلك مما ذكرت ومما لم أذكر وقد ضربت صفحا عنه بلا رقيب من ضمير، ولا حسيب من أحد!

ومع تعدد الثقافات واتساع موجات تسونامي الفضائية أصبح الواحد منا يُدرك حجم أطنان المعلومات التي تتفجر كل يوم مشكّلة أنهارا ممتدة من الشرق إلى الغرب والعكس لا تعرف معنى للنضوب، وحسب المرء أن يغرف بحذر شديد منها غرفة واحدة بيده حتى لا يغرق ويصبح ضحية هامدة في الأعماق لا حراك له.

خلاصتي في كلمات قليلة؛ فإنّ تلك الوسائل الحديثة يمكن أن تكون سِكينا تغرزها في خاصرة المجتمع وتنهش بها ظهره إذا أساء المرء استعمالها، وفي ذات الوقت هي معول بناء ونهر من المعرفة يفيض من بين جنباته علما غزيرا، وتجارب متراكمة وتواصل سريع لا يحلم به أحد قبل هذا الزمن بل يُعد ضربا من المستحيلات.

فيا أيها الشباب سخِّروا تلك الوسائل في بناء الإنسان ونهضة الأوطان، واعلموا-جُعلتم فداءً للوطن- أنّكم مسؤولون أمام الله: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]

ومع ذلك كله وفوق ذلك فسفينة عُمان- بحول الله وقوته- ماضية تمخر عُباب المحيطات رغم الأمواج العاتية ورغم التحديات الكبيرة، فكونوا رُبانها المهرة، وأبناءها البررة، فما نهضتْ أمة إلا بعقول وسواعد شبابها، وليكن شعاركم "عمان أولًا" في كل ما تفعلون وما تذرون، ولا تجعلوا تلك الوسائل للتراشق!