جريمة نكراء

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

بعد الانتهاء من صلاة الجماعة، قررتُ الجلوس في المسجد لقراءة القرآن الكريم لساعة من الزمن، وبعد خروج الناس منه، بقيت وحيدًا مع كتاب الله تعالى، مُتكئًا خلف أسطوانة من أسطوانات المسجد، فسمعت صوتًا خافتًا يقول: "ادخل وخذ ما تريد لا أحد الآن في المسجد"، استغربت كثيرًا من العبارة، ولماذا أتت بشكل خافت من المُتحدث؟ حاولت التركيز في مصدر الصوت وإذا الصوت نفسه يقول من جديد: "خذ الصناديق واخرج بسرعة"، قمت مُسرعًا لمعرفة ماذا يحدث في صالة المسجد؟ وإذا بي أتفاجأ بالسراق يسرقون صناديق المياه التي تبرع بها المؤمنون للمسجد، فحاولت اللحاق بهم، ولكن لم أستطع، فقد هربوا بسرعة واختفوا.

يا ترى ماذا يحدث اليوم لدور العبادة؟! ولماذا بين كل فترة وأخرى نسمع بسرقة مسجد من مساجد الله تعالى؟! أليس أقصى ما كنَّا نسمعه ونحن أطفال صغار هو سرقة أحذية المصلين فقط لا غير؟ لماذا تطورت الحالة وعمد البعض إلى سرقة أموال المساجد وممتلكاتها ومُقتنياتها؟

الآن وأنا أكتب مقالي هذا وصلتني رسالتان من خلال برامج التواصل الاجتماعي نشرتهما شرطة عمان السلطانية، جاء في (الأولى) منهما: "تمكنت قيادة شرطة محافظة الداخلية من ضبط المتهمين المتورطين في قضايا تخريب عدد من المساجد والعمل جارٍ على اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم".

وجاء في الرسالة الثانية: إن "قيادة شرطة محافظة جنوب الباطنة ألقت القبض على شخص بتهمة سرقة صندوق تبرعات من أحد المساجد، وتستكمل الإجراءات القانونية بحقه".

فيا ترى ماذا يريد هؤلاء اللصوص من بيوت الله تعالى؟ ومن سلطهم عليها؟ ومن سمح لهم بسرقتها والاستخفاف بحرمتها وقدسيتها؟

ألم يعلم هؤلاء أنه لا يجوز إطلاقًا التعدي على دور العبادة بأي شكل من الأشكال؟ إنه لأمر مؤسف جدًا عندما نرى ونسمع عن انتشار ظاهرة سرقة المساجد والعبث بها وبمقدراتها وأملاكها، فقد وصل الحال في بعض المناطق إلى حرق ممتلكات المساجد مما أثار غضب واستياء أبناء المجتمع، فإلى أين نسير مع هذه الأحداث الغريبة والمريبة؟

وماذا لو طبِّق قول الله تعالى في حق من ينتهك بيوت الله بالسرقة ألا وهو: "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (*) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".

ما أقساها من ظاهرة اجتماعية تمثلت في الانتهاكات الصارخة لحرمات بيوت الله تعالى، وما أعظمها من جريمة نكراء في حق أفضل وأعظم الأماكن، وأكثرها عظمة وشرفًا على وجه الأرض!!

إن المادة (342 / أ) من قانون الجزاء العُماني، نصت على الآتي: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ثلاث سنوات كل من ارتكب جريمة السرقة في مكان مُعدّ للعبادة".

ولذا فإن من أهم الواجبات التي يجب تطبيقها وتفعيلها للمساهمة في حفظ دور العبادة من السرقة والعبث بممتلكاتها هي الآتي:

•     أولًا: تركيب كاميرات المراقبة ذات الجودة العالية التي من خلالها يستطيع وكلاء المساجد متابعة ما يجري في المساجد من انتهاكات وسرقات لكافة ممتلكاتها، وتوزيعها في زوايا المساجد المختلفة لضمان الرقابة السليمة؛ حيث أثبتت التجارب أن المساجد التي تم تركيب كاميرات المراقبة فيها هي أقل عرضة للسرقة وذلك أن الجاني يعلم جيدًا خطرها عليه وكشفها له.

•     ثانيًا: إبلاغ الجهات الرسمية عند حدوث أي انتهاكات في حق بيوت الله تعالى في المجتمع وعدم التسامح والتساهل في ذلك.

•     ثالثًا: إغلاق المساجد وعدم فتحها إلا في أوقات الصلاة.

•     رابعًا: توعية المجتمع بأهمية بيوت الله تعالى وكيفية حفظها وصيانتها من السرقة والخراب والانتهاكات، وذلك من خلال تفعيل دور العلماء والإعلام النزيه، وسنّ القوانين الصارمة من قبل الدولة تجاه ما يحدث لبيوت الله تعالى.

•     خامسًا: القضاء على البطالة والفقر في المجتمع فهما عاملان رئيسيان في توجيه الكثير من الشباب إلى السرقة بسبب الحاجة إلى المال فقد قال أمير المؤمنين وسيد العارفين الإمام علي بن أبي طالب: "لَو تمثّل لِي الْفَقْر رجلًا لقتلتُه".

•     سادسًا: تفعيل البرامج التثقيفية والاجتماعية في الداخل الاجتماعي والأسري واستثمار فراغ أبناء المجتمع وملء أوقاتهم بما يفيدهم في حياتهم وإبعادهم عن المطبات والمشاكل الحياتية.

سابعًا: تنمية الشعور بالخوف من الله إذ يمثل ذلك وازعا ذاتيًا يمنع هؤلاء من التعدي على دور العبادة.

وأخيرًا.. لقد أوصانا الباري تبارك وتعالى بالمساجد خيرًا؛ حيث قال: "يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ".

إنَّ الحفاظ على مكانة وهيبة المساجد والاهتمام بنظافتها وممتلكاتها هي من أهم الواجبات الملقاة على عاتق الجميع، فلا بُد من إعمارها، فهي مكان لأداء أفضل العبادات ألا وهي الصلاة للفوز برضا الله سبحانه وتعالى.