تشو شيوان **
يهاجم الكثيرون الصين في مسألة الديون الصينية والقروض التي تمنحها الصين للكثير من دول العالم، وللأسف راح البعض في تسمية هذا الأمر بـ"فخ الديون الصينية"، واعتبار أن هذه القروض والمساعدات ما هي إلا أسلوب وسياسة تتبعها الصين لاستغلال الدول الفقيرة أو المحتاجة!
لكن هذا الأمر برمته عارٍ من الصحة، ولا أساس له أبدًا؛ فالكثير من الدول الكبرى أو بعض المنظمات والبنوك العالمية تُقرض الدول الصغيرة، ويوجد دول تطالب بمالغ طائلة نظير هذه القروض من رسوم وفوائد، والصين لم تأتي بالجديد؛ بل قامت بمد يدها للدول المحتاجة وأنقذت حكومات كثيرة من الإفلاس، وهذه القروض مشروطة بشروط قانونية وسياسية تتماشى مع القوانين والأعراف الدولية، ومسألة فخ الديون الصينية التي يروج لها بعض الساسة وبعض الجهات الإعلامية ما هي إلا لعبة كغيرها من الألاعيب التي مرادها وهدفها تشويه صورة الصين وتقويض نجاحاتها العالمية في شتى المجالات.
إذا أردتَ أن تعرف الحقيقة، فعليك أن تتابع الأخبار الحقيقية وتدرس الأرقام، وإذا فتشت في خفايا القروض الدولية ستجد بأن أغلبيتها تأتي من الدول الغربية والتي بالطبع تفرض فوائد ورسومًا عالية، مقارنة بما تفرضه الصين على قروضها. فعلى سبيل المثال ذكرت مؤسسة "عدالة الديون" البريطانية- بناءً على بيانات صادرة عن البنك الدولي- أن نسب الفائدة على القروض الرسمية والتجارية الصينية إلى الدول الإفريقية أقل من نسب الفائدة على القروض التجارية التي تقدمها الدول الأخرى والتي تبلغ 5 بالمئة، كما إنها أقل أيضًا بكثير من نسب الفائدة التي تبلغ من 4 إلى 10 بالمئة على السندات الحكومية التي مدتها 10 سنوات، وهذا بحسب الأرقام الصادرة عن بنك التنمية الإفريقي، وهو ما يثبت جزءًا صغيرًا من الحقيقة، وأن أكذوبة فخ الديون الصينية ما هي إلا مزاعم مختلقة للتأثير على مكانة الصين وقدرتها على التعامل مع هذا الملف.
وإضافة لكل ما سبق، فإن الصين تقدم قروضًا دولية منذ أكثر من 30 عامًا، فلماذا لم نسمع مثل هذه المصطلحات من قبل؛ والإجابة بسيطة وقد تكون بديهية؛ لأن نجاح الصين والتنمية التي قامت بها خلال السنوات الماضية لم تعجب بعض الدول ولهذا لا يتوانوا أبدًا في خلق المشاكل ونسب التهم للصين حتى وإن اختلقوا الأكاذيب وزوروا الحقائق.
وإذا ذهبت للقارة الإفريقية، ستجد بأن أغلبية القروض الصينية هي قروض مخصصة لمشاريع البنية التحتية، أو لتنفيذ مشاريع ضخمة، وقد ساهمت الصين في تطوير التنمية في أفريقيا بشكل لافت خلال السنوات الماضية في وقت لم تمد فيه أي دولة يد العون للدول الفقيرة والنامية هناك في القارة السمراء؛ بل على العكس كانت إفريقيا مشاعًا لناهبي الثروات ومقيدي الحريات. وعندما فتحت الصين أسواقها وأموالها ودعمت مشاريع البنية التحتية هناك وفتحت المجال للتنمية لأن تدخل من الأبواب، أرادوا تشويه هذه المزاعم وخلق الفتنة بين الصين والدول الفقيرة. لكن ما أراه إيجابيًا أن هناك الكثير من سياسيين وقادة وأصحاب فكر ومحللين، يرون أن الصين لديها مشروع تنموية عالمي وتسعى لمشاركة خبراتها وقدراتها لدول العالم كافة.
ولمن يقول إن الصين تستولي على أصول الدول المتخلفة عن سداد الدين وما حدث في قضية ميناء هامبانتوتا السريلانكي عندما تخلفت الدولة الواقعة في جنوب آسيا عن سداد ديونها، فإن الحقيقة تقول إنه بدلًا من استيلاء الصين على الميناء فقد خصصت سريلانكا 70 بالمئة من الميناء الذي تموّله الصين إلى شركة صينية ضمن اتفاق قانوني مشروط ومعلوم، ولعل الجميع يعلم أن هناك شركات عالمية تنتمي لدول أخرى قامت بالاستحواذ على مشاريع عملاقة في دول أخرى، وهذا المبدأ يأتي ضمن التعاملات التجارية التي لها طريقها وأسلوبها الخاص. وفي هذا الصدد، صرح رئيس الوزراء السريلانكي رانيل ويكرمسينغه، بأن بلاده لم تقع في "فخ للديون" الصيني، ومن المتوقع أن تشكل إيرادات هذا الميناء 40% من دخل الحكومة بحلول عام 2020، إضافة إلى توفير 10 آلاف وظيفة مباشرة وأكثر من 60 ألف وظيفة غير مباشرة. وهذا إنْ دل، فيدل على أن الصين جاءت بالتنمية وليس لإيقاع الدول في "فخ الديون".
وإلى جانب سريلانكا، قال البعض إن دولًا مثل باكستان والفلبين وفنزويلا وجيبوتي وبابوا غينيا الجديدة وقعت في "فخ الديون" الصيني، ولكن لهذه الدول صفة مشتركة تتمثل في الرغبة في التعاون في بناء مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. وفي الحقيقة وعلى أساس مبدأ التشاور والتشارك والمنفعة المتبادلة، يعتبر كل مشروع تعاوني بين الصين والدول النامية فرصة تنموية كبيرة لشعوب هذه الدول، وحتى سبتمبر الماضي فقد وقعت الصين 149 اتفاق تعاون حكومي مع 105 دول و29 منظمة دولية على طول "الحزام والطريق"، وبين عامي 2013 و2017، بلغ إجمالي قيمة الواردات والصادرات بين الصين والدول على طول الحزام والطريق 33.2 تريليون يوان صيني (نحو 4.8 تريليون دولار أمريكي)، بزيادة 4% سنويا.
كل هذه الأرقام تثبت لنا أن فخ الديون الصينية كذبة مقيتة، هدفها تشويه صورة الصين، ولكن الصين ماضية في طريقها التنموي للصين وللدول الفقيرة والنامية.
** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية