استقطاب الموهوبين إلى عُمان

 

خلفان الطوقي

"تُبنى الدول بأبنائها".. هذه هي المقولة المعروفة والشائعة، لكن التجارب والنماذج الناجحة تفيد بأنَّ الوضع يقبل أكثر من هذه المقولة، ويمكن أن يكون النموذج الناجح من خلال هذه المقولة: "إن الدول تُبنى من خلال الموهوبين"؛ سوء كانوا من أبنائها أو غير أبنائها، وهذا ما سوف أحاول التطرق إليه في هذه المقالة، وتقديمه كمقترح إلى الحكومة للتفكير فيه.

الحكومة العُمانية المتجددة، تتبنى عددًا من المبادرات التصحيحية الهادفة إلى مواكبة المتغيرات العالمية، ومن ضمن هذه المبادرات، مبادرة منح الإقامة الطويلة (من 5 إلى 10 سنوات) للأجانب وخاصة من المستثمرين في التجارة أو المتملكين للعقارات وفق شروط مُعينة.. وهي مبادرة منحت الأجانب رسالة طمأنة، وأن عُمان في مرحلة جديدة، وتتبنى مبادرات نوعية هدفها إعادة التموضع في مكان يليق بمكانها ومكانتها التاريخية.

ولتحقيق هذا الهدف السامي، فعلى الحكومة أن تستمر على الدوام وبشكل متسارع في تطوير وتجويد سياساتها وتشريعاتها، وفي البحث عن المبادرات النوعية التي تضمن لها مكانًا حضاريًا يليق بها.

والمبادرة المقترحة، الآن، للحكومة تكمن فكرتها فيما يلي: فتح مجال الإقامة المُميزة للموهوبين من جميع أنحاء العالم، والإقامة المُميزة تعني الإقامة لمدة طويلة (من 5 إلى 10 سنوات) دون ضرورة وجود كفيل عُماني، ودون الحاجة لتجديد الإقامة كل سنة، وقابلة للتجديد لنفس الفترة بعد انقضاء المدة، ويمكن التقدم لهذه "الإقامة المميزة" إلكترونيًا وفق شروط ومعايير مُعينة؛ أهمها المؤهلات العملية الرصينة، وندرة التخصص، والخبرات العملية وخاصة في المجالات التي تحتاجها السلطنة، وحصول المُتقدم على جوائز تقديرية من مراكز مرموقة، وغيرها من معايير بعيدة عن المحاباة والتجاوزات الفردية. ويمكن أن تبدأ المبادرة في مجالات معينة كالطب والعلوم التكنولوجية والهندسة المتطورة، وفي حال نجاح التجربة، يمكن الانتقال لمرحلة ثانية وثالثة تشمل باقي التخصصات، ويمكن تقييم المبادرة بين فترة وأخرى، وتطويرها وفق المعطيات والمستجدات.

الحكومات الذكية أصبحت مرنة، وتتبنى المبادرات النوعية التي تضمن لها التقدم والتطور واختصار الزمن من خلال القفزات المضاعفة، وبرنامج استقطاب المواهب أثبت جدواه في كل الدول المتقدمة، وأصبحت هذه الدول تتنافس فيما بينها لكسب رضاهم، فمثل هؤلاء الموهوبين هم كما يقال: هم كالمطر، أينما وقعوا، نفعوا، وللعلم، جذبهم لن يكون سهلا، لذلك يحتاج إلى برنامج مغرٍ متكامل، يقوده فريق يؤمن ويستوعب أهمية هذا العمل.

هذه المبادرة تضم في طياتها مزايا لا حصر لها للمجتمع والدولة؛ فالشخص الموهوب سيكون قيمة مضافة في نقل الخبرات والمعرفة، وفي الاعتماد على نفسه، وفي إقامة مشروعه التجاري، وفي جعل عُمان وجهة للكفاءات والمواهب، وجعل السلطنة بيئة تنافسية تنمي مواهب شبابها من خلال الاختلاط والاندماج الصحيح مع من يفوقهم بالعلم المتطور، والخبرة العالمية المتقدمة، والمهارات العصرية.

وإذا ما تم تفنيد هذه المبادرة "استقطاب المواهب العالمية" من مزايا وتحديات، فبكل تأكيد سوف نجد بلغة الأرقام التقديرية ومن وجهة نظري الشخصية: 90% مزايا، و10% تحديات، وهنا يكمن الذكاء الحكومي بأن يركز في نسبة الـ90%، ويقلل من الـ10%؛ ليحوِّلها من تحدياتٍ إلى فرص.

ولأن مثل هذه المبادرات أو قريبة منها، يمكن دراستها، وتأطيرها بما يخدم توجهات الحكومة، ويتناسب مع المحيط المجتمعي، وبما أن تطلعات المواطنين أصبحت متطورة ومتقدمة، وعليه، فإن الحكومة عليها أن تكون متقدمة بخطوات عن التطلعات المجتمعية من خلال قرارات استباقية، وتشريعات عصرية، وإجراءات واقعية ذكية، ومبادرات نوعية، وتحركات جريئة.