إسماعيل بن شهاب البلوشي
أفضل ما أرى من توصيف لعالم التَّواصل الاجتماعي ووسائله اليوم أنَّه وادٍ جارفٍ بدأت سعتنا ورؤيتنا الفكرية على الامتلاء منه، مُعتقدين أنها مرحلة عابرة وستنتهي، غير أن الواقع يُغاير ذلك الأمرـ وإلى حدٍ بعيدـ وحتى الذين يراهنون على أنَّ الحلول تأتي من خلال التشريعات والقوانين وفرض السيطرة على هذا الأمرـ إلّا أنني لا أرى لهم أي أفقٍ في التعامل مع هذه المسألة المُهمة كما ينبغي، أو أن ذلك أسلوب يجعل من التعايش الإيجابي معها كما هو مؤمل منه.
وأعتقد أن الحل يأتي فقط من خلال إيجاد قاعدة ثقافية وعلمية واجتماعية وطنية تخلق في المجتمع معرفةً واسعة يمكن من خلالها السباحة في هذا التيار الجارف، وتكون بمهارةٍ كافيةٍ للتعامل مع الأمر بشكلٍ مناسب. ومن يعتقد أن هذه الثورة العارمة والجارفة في عالم الاتصالات والتواصل وصلت إلى ذروتها، فإنَّ استعداده للمواجهة مشكوكٌ في نجاحه وإلى حدٍ بعيد.
ولأننا شعوب مستهلكة للآلة وما يبث فيها وما يتم تبادله، نعمل من خلال ردة الفعل، وبذلك فقد نكون متأخرين بخطواتٍ كبيرة عن العالم الذي يعمل من خلال فرق مُؤهلة وبخطط ورؤى بعيدة، وقد تكون المواجهة مع هذه الفرق والخطط يترك العامة تواجه مصيرها وكأن جيشًا مسلحًا يواجه جيشًا أعزل؛ ليحقق مآرب قد تصل إلى التهديد بمحو أسس كانت سببًا حقيقيًا للوجود على هذه الدنيا.
ذكرتُ في مناسباتٍ كثيرة أن التعليم يُكسب الفرد المعرفة، وبالتالي تطبيق المعرفة في السلوك العام للحياة قد يكون من خلال بعض الجوانب التي نتعلمها اليوم، وهي ليست أكثر من تعبئة برنامج لا يمكن من خلاله قياس المعرفة أو حتى الاستفادة منها عمليًا، وبذلك قد يكون استهلاك العمر في عالمنا يعد ضياعًا في بعض أجزائه؛ بل إنه قد يكون حاجبًا سلبيًا عمَّا يحتاج الإنسان فعليًا من معرفة مفيدةٍ للسلوك والعمل والإنتاج الوطني العام والتحصين الفعلي لما نحتاج لمواجهة العالم الافتراضي والواقعي.. ولذلك، فإنني أكرر أن توجيه التعليم استراتيجيًا مع معطيات وحقائق الزمن وإيقاعه هو جُل ما نحتاجه اليوم؛ كي نستطيع السباحة في نهر الزمن، لا أن نقرأ عن التأمل وعندما تلامس الماء نؤول إلى الغرق؛ لأن ما تعلمناه لا يفيدنا أن نسبح من خلاله في التيار الجارف.
اليوم.. وفي هذه المرحلة، فإن توجيه الأجيال لتجاوز التحديات ومواجهة التغيير العالمي يجب أن يكون مقررًا علميًا يبدأ من المراحل الدُنيا، وعلينا من خلاله أن نعد خططًا محكمة ومدرسة ومن كل الجوانب نُغذي من خلالها العقل البشري، بما يحتاج من جوانب مُلِحّة؛ كي يستطيع أن يقدم ما ينفع الوطن وما يحمي به نفسه وخلقه ودينه، وأن يكون مُهيئًا وبالقدر الكافي ضد الإغراءات والإبتزاز الشخصي أو القومي، وما يمكن من خلاله أن يُفسد فكر الأجيال بالنظرة السلبية لأوطانهم، وأن يأخذ الفرد القيم الإيجابية مما يحيط به، ويستفيد مما يطرحُ من تلك الوسائل من مواد علمية يطوّر بها ذاته، ويطّور وطنه، ويكون صامدًا أمام أي تقلبات وتوجهات ضارّة.
وأخيرًا.. إن الاعتقاد بأن الأجيال مسلحة بالتعليم وفق الطريقة الحالية، فإن ذلك قد لا يعدو محوًا للأمية في تناسب المكان والزمان، وقد يكون ما نتعلمه من وسائل التواصل الاجتماعي- وكما وصفته بالسيل الجارف- قد لا نتعلمه من أي وسيلة أخرى. ولذلك، علينا أن نصارح الذات بكل شفافية كي نتمكن من السباحة مع التيار حتى وإن كان جارفًا.