حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يهتم المرءُ منذ أوَّل لحظة بحثه عن العمل وفق دراسته وتخصصه الأكاديمي، باختيار جهة عمل تقدّم له راتبًا جيدًا، يستطيع أن يبني مستقبله تدريجيًا من خلال ما يحصل عليه من مخصص مالي شهري بجانب الامتيازات الأخرى.
وفي السلطنة، هناك تعيينات سنوية للعمانيين في القطاعين العام والخاص، بالرغم من أن أعداد تشغيلهم تراجعت في السنوات الأخيرة في المؤسسات الحكومية، نتيجة للمخرجات السنوية الكبيرة من الجامعات والمعاهد والكليات، فيما انخفض أيضًا مجموع الرواتب والامتيازات التي كان يحصل عليها الفرد في العقود الماضية، مقابل ما يحصل عليه حاليًا سواء في المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص.
وبالرغم من أنَّ القرار الذي اتخذته وزارة العمل في الفترة الماضية بجعل الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص عند 325 ريالًا عمانيًا (845 دولارًا أمريكيًا)، فقد رأى الكثير من المواطنين أنه غير مشجع على دخول المؤسسات والشركات الخاصة، إلّا أن الأمور أصبحت اليوم تتعامل على أساس العرض والطلب والخبرات والكفاءة في الإنتاجية، فيما أصبح الراتب في تلك المؤسسات قابلًا للتغيير متى ما زاد العامل من إنتاجيته، بينما تختلف الرواتب في تلك المؤسسات باختلاف درجات العمل والخبرات والكفاءة أحيانًا.
وتشير البيانات الحديثة للنشرة الشهرية للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات لشهر يوليو 2022 إلى أن عدد العمانيين العاملين في مؤسسات القطاع الخاص، بلغ في النصف الأول من العام 2022 نحو 282363 عاملًا؛ حيث يتقاضى القسم الأكبر من هؤلاء رواتب ما بين 325 ريالًا وأقل من 400 ريال، ويصل عددهم إلى 88733 عاملًا عمانيًا وبنسبة 31.4% من إجمالي عدد العمانيين، فيما يحصل 51000 عامل عماني على رواتب ما بين 400 ريال وأقل من 500 ريال وتبلغ نسبتهم 18.4%، وهناك حوالي 35000 ألف عامل عماني يحصلون على رواتب ما بين 1000 ريال وأقل من 2000 ريال، وتبلغ نسبتهم 12.4%، بينما حوالي 17638 عاملًا عمانيًا يحصلون على راتب أكبر من 2000 ريال وبنسبة 6.25% من الإجمالي. أما بقية العمانيين في القطاع الخاص وبنسبة 31.5% فإنهم يحصلون على رواتب ما بين 500 إلى 900 ريال عماني.
لقد استُقبل قرار وزارة العمل بعدم ربط المؤهلات والشهادات الجامعية والاكتفاء بالحد الأدنى للراتب بواقع 325 ريالا عمانيًا بشيء من الامتعاض والنفور من قبل المواطنين، إلّا أنه لقي استحسانًا من رجال الأعمال والتجار؛ حيث ما زال الكثير من المواطنين يطالبون برفع الحد الأدنى للراتب في القطاع الخاص إلى 550 ريالًا، في الوقت الذي يرى فيه بعض الخبراء أن على العماني في بداية عمله البحث عن وظيفة تؤهله لكسب بعض الخبرات بجانب شهادته؛ الأمر الذي قد يساعدهم في الحصول على راتب أعلى لاحقًا. وفي الواقع هناك مؤسسات وشركات عمانية تمنح الموظفين الجدد راتبًا في بداية مربوط عملهم يصل إلى ما بين 500 إلى 600 ريال تقديرًا لشهاداتهم الأكاديمية، بينما أصبحت المنافسة كبيرة للعمل في تلك المؤسسات نتيجة للقدرات التي يتمتع بها بعض الأفراد، وهذا سوف يساعد على ربط نظام الأجور بالمهارات وليس بالشهادات. وإزاء ذلك تعيد وزارة العمل دراسة قرار الحد الأدنى للأجور مرة أخرى من خلال لجنة الحوار المجتمعي المشكلة من عدة مؤسسات نتيجة للتضخم والتغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم لكي تناسب تلك الظروف وساعات العمل التي يقضيها العامل في مؤسسته.
أما في المؤسسات الحكومية، فتختلف درجات الرواتب وفق البيانات الصادرة عن وزارة العمل، بحيث يحصل أصحاب الدرجة الأولى على 2600 ريال عُماني، وتقل هذه الرواتب في الدرجات التي تليها وخاصة في بعض الوظائف البسيطة الأخرى؛ حيث يبلغ راتب الموظف الذي يعمل في الدرجة السادسة عشرة نحو 411 ريالًا، ويقل الراتب في الدرجات السفلى إلى 300 ريال تقريبًا.
وفي الحياة العملية أصبح من المعروف أنه كلما كان سلم الرواتب مرتفعًا، كان هناك إقبال أكبر من الباحثين للعمل لدى تلك الجهات. ووفقًا لبعض البيانات الرسمية في هذا الشأن، فإن متوسط الرواتب في بعض المؤسسات الحكومية رواتب كبيرة خاصة في التخصصات الطبية، والجهات القضائية والمصرفية والمالية والنفطية، وفي المجال الأكاديمي والعلمي وغيره؛ حيث تتطلب تلك الأعمال من العاملين وجود كفاءات وأصحاب الخبرات، وقضاء ساعات أكبر في العمل.
ويتميز العامل بالحصول على راتب أكبر إذا كان يتمتع بخبرات تجعله يحصل على امتيازات أفضل، بمعنى أنه كلما زادت سنوات خبرته، ارتفع الراتب الذي يحصل عليه. وهنا نجد أن الموظف الذي يمتلك خبرة 5 سنوات- على سبيل المثال- يتقاضى راتبًا أعلى بنسبة 35% عن راتب الموظف المبتدئ.
لكن جرت في الآونة الأخيرة بعض التعديلات على جدول رواتب العاملين في المؤسسات الحكومية التابعة للخدمة المدنية، بحيث أصبح الموظف حديث التخرج والحاصل على الدكتوراه أو ما يعادلها من الشهادات، يتقاضى على راتب بنحو 1035 ريالًا، فيما يحصل الشخص الحاصل على درجة الماجستير في حدود 910 ريالات، بينما يحصل الموظف الحاصل على درجة البكالوريوس نحو 785 ريالًا، والحاصل على الدبلوم نحو 590 ريالًا، وهكذا تنخفض الرواتب وفقًا لبعض الدرجات العلمية والتخصصات المرتبطة بالأعمال.
والرواتب في السلطنة- كغيرها من الدول الأخرى- تشمل امتيازات عديدة كالسكن والتنقل والخدمات وغيرها. وهناك اليوم وظائف جديدة تدفع رواتبها على أساس شهري أو بالساعة. وقد أدى اختلاف رواتب العاملين والامتيازات في القطاعين العام والخاص إلى تفضّل العمانيين بالعمل في المؤسسات والجهات الحكومية في المرتبة الأولى، إلّا أن الوضع الحالي يشهد تغيُّرًا بسبب قلة فرص العمل والمنافسة؛ سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة. وتعمل الحكومة على تقليل تلك الفوارق والامتيازات بين العاملين في القطاعين ليتسنى للجميع الحصول على الامتيازات المماثلة، في الوقت الذي أصبح فيه العماني موجودا اليوم في جميع الأعمال التي تدار في المؤسسات الخاصة بجانب العمالة الوافدة.