ناجي بن جمعة البلوشي
قبل فترة ليست طويلة، وقَّعَ الرئيس الأمريكي جو بايدن على قانون يقضي بمنح مساعدات مالية بقيمة 52 مليار دولار أمريكي لإعادة إحياء قطاع صناعة أشباه الموصلات في أمريكا، القانون الذي أطلق عليه "ذا تشيبس آند ساينس آكت" بموجبه سيساعد في تعزيز إنتاج الشرائح الدقيقة التي بدورها تعتبر أساسية في كل الأجهزة الحديثة.
ورغم أن القطاع الخاص الأمريكي يستثمر حاليًا في هذا القطاع، إلا أن الكونجرس الأمريكي تبنى هذا القانون ربما لاعتبارات أخرى سيكون لها التأثير الحقيقي في تغيير معادلة المصنعين لهذه الصناعة، ومنها منافسة الصين فيها. وعلى الرغم من أنَّ الصين قطعت شوطًا كبيرًا في هذه المنافسة ولا يمكن اللحاق بها حتى مع وجود هذا القانون الجديد وتفعيله، فإننا نعتقد أن أمريكا وضعت هذا القانون لمآرب أخرى، ربما تكون أكثر غموضًا من هذا الذي وجدناه متداولًا في الأخبار. فعندما يتبنى الكونجرس الأمريكي هذا القانون في شهر يوليو 2022، وبعدها بأيام تذهب رئيسته في زيارة استفزازية لجزيرة تايوان الصينية ذات الحكم الذاتي، فنظن أن شيئًا ما يدور في أذهان الأمريكان، غير الذي هو معلن، وربما نظنه شيئًا ما سيجعل أمريكا البلد الأول المصنع لهذه الصناعة، وذلك دون انتظار الكثير من الوقت للوصول إلى هذه المرتبة التي تتطلب المزيد والمزيد من الانتظار.
لكن السؤال الذي سنطرحه هنا: كيف سيكون هذا؟
الجواب يُحتّم علينا أن نضع تايوان باعتبارها الهدف والحل؛ ففي تايوان تتواجد مصانع وعقول ونخب مصنعة وأدوات تصنيع واستثمارات جاهزة والوصول إليها ونقلها إلى الولايات المتحدة ومنح الأفراد منها الجنسية الأمريكية والمكانة الاجتماعية المناسبة أسرع تفعيلا من انتظار الشركات الأمريكية للبدء بعملية البحث والتطوير والتصنيع ومن ثم المنافسة؛ حيث يوجد في تايوان كثيرا من أكبر شركات تصنيع أشباه الموصلات. فشركة "تي إس إم سي" التايوانية تعد الأولى عالميا وتستحوذ على 54% من الحصة السوقية العالمية. أما مواطنتها "يو إم سي" فتستحوذ على 7% من الحصة السوقية، وفي المرتبة السابعة والثامنة على التوالي، وشركتا "بي إس إم سي" و"في آي إس" اللتان تستحوذان على 1% لكل واحدة منهما من حصة السوق العالمية (المصدر: فيجوال كابيتالست- ترند فورس).
واذا كنَّا قد ذكرنا هنا أربع شركات تايوانية فقط من أصل أكبر 10 شركات عالمية مصدرة لأشباه الموصلات، فلا بُد لنا من أن نذكرها وبما تقدمه من إنتاج؛ حيث تستحوذ على 63% من الحصة السوقية العالمية، بينما في نفس القائمة هناك شركة أمريكية واحدة تستحوذ على 7% فقط وثلاث شركات صينية تستحوذ بنفس الحصة الأمريكية 5- 1- 1%. وإذا كانت هذه هي التفاصيل التي استقرأناها فإنه بها يحق لنا أن نصف تايوان بأنها كعكة ضخمة مليئة بكل أنواع الحلوى، وبأن تايوان لم تعد جزيرة صينية أو جزيرة مستقلة أو غيرها من الصفات؛ بل هي الكنز الأضخم على الإطلاق اليوم في العالم خاصة من تزايد الطلب على هذه المنتجات المنتجة فيها؛ بل وليس من السهل التنازل عنها بسرعة أو بتنازلات بسيطة.
نعم.. لا أحد يريد أن يصل إلى الحرب، لكنه في الوقت ذاته ليس بودِ أحد أن يخسر هذا الكنز، ويمكن لكلا الفريقين التنازل عنه شريطة تفريغه من كل محتوياته من تلك الصناعة كنقل المصانع أو نقل الشخوص والعقول ومنحهم كل أنواع الإغراءات لكسبهم، وهذا ما تريده أمريكا في كسبها للوقت، كما هو ما تريده الصين في كسب ود تايوان بهدوء. ولأن الدول العربية لم تضع شيئا من الإغراءات لنقل أو الشراكة مع إحدى تلك الشركات التايوانية، فإنِّه في النهاية أمر لا يعنينا نحن العرب، كما من قبل لم يعننا كل العقول العراقية والسورية والمهاجرون العرب من دولهم من آثار الويلات والحروب.