أخوار شاطئ ظفار.. روافد سياحية مهدورة

خالد بن سعد الشنفري

لا شك ان كل من يزور محافظة ظفار سيشده منظر الأخوار المنتشرة على طول السهل الممتد من شاطئ طاقة إلى ريسوت، والتي تتفاوت طولًا وعرضًا وعمقًا، فعلى سبيل المثال لا الحصر: خور البليد وروري والدهاريز وصلالة وعوقد والقرم وجنيف وشاع، وغيرها الكثير على امتداد ساحل المحافظة، معظمها قابل للاستغلال والاستثمار فيها.

ويبلغ عمق خور البليد- مثلًا- أكثر من 20 قدمًا في بعض الأماكن، وهذا ليس بغريب على خور كانت تجوبه السفن التجارية قديما للشحن والتفريغ، دخولًا من بوابته الشرقية ورُسوًا على جانبي أرصفته وتحت قصرة الشهير ومن ثم الخروج من بوابته الغربية إلى البحر.

مِثل هذه الأخوار يكفي تأهيل واحد منها أو أكثر ليصبح منشأة مائية سياحية بمحاذاة البحر؛ فمياه هذه الأخوار لا تنضب طول العام، وعلى مدى قرون حسبما عرفناه عنها، وأسماكها لم تنقرض، وتعد ملاجئَ لأنواعٍ مختلفة من الطيور المهاجرة، ترِد إليها من مختلف القارات لغنى أعشابها بطعام هذه الأسماك والطيور التي بعضها نادرة الوجود..

كأني اليوم بهذه الاخوار تستغيث بنا لمد يد الإصلاح إليها وإعادة الاهتمام بها، لتعود بالنفع كما كانت قديما ولو في مجال السياحة الترفيهيةـ كما كانت عليه في حياة الأجداد في مجال التجارة البحرية.. إنها تنادي فينا نحن هذا الجيل، جيل النهضة الحديثة والمتجددة عندما ملأنا الدنيا ضجيجًا بسياحة موسم الخريف وركنا على الاعتماد إليها. فهل فينا من مجيب؟ من يمد يد الاصلاح؟!

إن ثروة النفط ناضبة لا محالة، أما استغلال المقدرات الطبيعية لدينا فمستدامة وستبقى طالما بقينا، فهل من متعظ؟ هل من يعطيها القليل لتعطيه الكثير؟ أم ما زلنا مصرين على أن نظل على ما نحن عليه وتركها مجرد ملاجئ للبعوض؟

إن خور البليد بحاجة أن تزاح عنه الرمال التي تراكمت بين مدخله والبحر، وفصلتهما عن بعض لتمنع السفن من الدخول إلى الخور وتحريك مياهه الراكدة.

لقد شق الأجداد هذه القناة العظيمة بمعاولهم وأياديهم العارية، فهل نعجز نحن اليوم عن إزاحتها وفتح هذه القناة المائية القديمة بأضخم ما يتوفر لدينا من معدات العصر؟!

ألم يستثيرنا عمل سلفنا من شقوا خور روري قبلنا ووسعوا حوض بحيرته ليستقبل مياه شلالات دربات التي نهدرها الآن إلى البحر كل عام وقد كانت تسمح لمرور السفن التي تتوارد اليها من أطراف العالم وتثري التجارة كما كان يحصل قبل 3 آلاف سنة؟

أخيرًا.. هل نأمل من جديد ان يتم البدء ولو بتطوير خور الدهاريز على الأقل وهو مهيأ لذلك وبأقل التكاليف ليكون البداية، وهذا أضعف الإيمان، ونعتبرها تجربة تحرك هذا الركود والركون المميت في مشاريعنا السياحية؟!

يتبادر إلى ذهن الزائر فعلا لماذا لا يستفاد من هذه المواقع المائية كرافد للسياحة؟ خصوصًا أنه غير كبير التكلفة في تنفيذه ومطلوب استغلاله كمرفق مائي سياحي فعال وجاذب لارتياده من قبل الجميع على مختلف طبقاتهم الاجتماعية والمادية، بل يمكن الاستفادة منه حتى في غير موسم الخريف كالسياحة الشتوية الأوربية والتي بدأت في التزايد تدريجيا لتشكل نسبة تكاد تقترب من السياحة الخريفية.

تسعى الكثير من الدول إلى خلق مثل هذه المرافق المائية من حيث البحث عن الموقع المثالي والحفر والتشييد وجلب المياه، وتتكبد في سبيل ذلك مبالغ باهظة لمجرد تنويع مناشطها السياحية، وإقامة البحيرات من لاشيء لجذب السياحة إليها!

سؤال محير وقد أخذ يفقد بريقه مع الزمن كغيره من الأسئلة التي تُسأل عن العديد من المشروعات القابلة للاستثمار فيها لتطوير السياحة من مثل هذه الأنواع وبدون عناء فكري يذكر لإقامتها أو تطلب مبالغ طائلة وتزخر بها ظفار، وعماننا الحبيبة عموما ليس قليلة المواقع التراثية، والتي أهمها بالمناسبة تلك التي تقع بجوار هذه الأخوار كموقع سمهرم الذي يحتضنها خور روري أو بحيرة روري، وهكذا ينبغي أن يكون اسمها (بحيرة) لأنها أكبر من خور بكل المقاييس فهي بحيرة متوسطة قابلة أن تكون أكبر باستغلال مياه وادي دربات المهدره حاليا، كذلك خور البليد الذي يطوق مدينة البليد الاثرية.

لقد أصبحت مثل هذه الأسئلة وتلك الأفكار ميئوس منها والسائل عنها أشبه بنافخ في قربة مخرومة بسبب السكوت المطبق عنها من جانب المسؤولين.. هل اكتفى أصحاب القرار بترويج ظفار كموسم الخريف فقط كسياحة ربانية لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟!

الأكثر قراءة