‏‎ضرر الطلاق على الأبناء

 

سالم بن نجيم البادي

تحدثت في مقال "الطلاق" عن أسباب الطلاق وتبعات الطلاق على المرأة المطلقة، واليوم أذكر ضرر الطلاق على الأبناء، وقد رأيتُ وسمعتُ عن أبناء المطلقين وما أصابهم من مشكلات نفسية وأخلاقية واجتماعية تُدمي القلب ويقشعِر لها البدن، خاصة عندما نعلم أن طلاق آباء هؤلاء الأطفال لم يكن له مبرر، ومن هؤلاء الأطفال من قضى حياته مشتتا بين الأب والأم حائرًا بينهما، فإذا ذهب إلى الأم كانت شديدة الحرص على تشويه صورة الأب في ذهن أبنائه ووصفه بأوصاف شنيعة والتقوُّل عليه بما فيه وما ليس فيه، حتى تصرف الأبناء عن التعلق بوالدهم.

هذا القول ينطبق على الأب عندما يتحدث عن الأم أمام الأبناء بكلام سيء ويصفها بالأوصاف القبيحة والاتهامات الباطلة والألقاب الذميمة، ومن المطلقين من يحاول إلغاء أحد الأبوين من ذاكرة الأبناء، خاصة إن كانوا صغارًا، ويصبح مجرد ذكرهم أو النطق بأسمائهم من المحرمات. وقد شاهدتُ أطفالًا صغارًا قد تم طلاق والدتهم ويعيشون معها في بيت أهلها (وهم فقراء)، وكانت هيئة هؤلاء الأطفال رثة وثيابهم قديمة، يمشون ويركضون دون أحذية، ويعيشون على صدقات الجيران والأقارب، ويسكنون في غرفة غير ملائمة، وهم محرومون من رؤية الأب خشية أن يهرب بهم!

أخبرني معلمٌ عن طالب كثير الغياب عن المدرسة، ودائم التسرب والهروب من المدرسة، ولم ينفع معه الإنذار والضرب ولا التهديد بالفصل المؤقت أو النهائي من المدرسة، وعندما تقصى الإخصائي الاجتماعي مشكلته، وجد أن لديه إخوة صغارًا لا أحد يعتني بهم بعد طلاق أمه؛ فهو يتأخر ليجهز لهم طعام ‏‎الإفطار، ثم يهرب ليطمئن عليهم، ثم لتجهيز الغداء، ويذهب ليتأكد أن والده لم يأتِ ليعتدى عليهم وهو في حالة سكر!

وهناك طالب آخر في مدرسة أخرى يتأخر عن الحصة الأولى ويهرب عند الحصة السادسة، وتبين أنه مضطر للعمل للإنفاق على إخوته الصغار؛ حيث يسافر إلى مدينة أخرى بعيدة في سيارة لإحضار الفواكه والخضار لأحد التجار وتكون عودته بعد الفجر، وهو على هذه الحالة في كل يوم.

القصص كثيرة في المدارس عن حال الأطفال في هيئاتهم؛ بل وحتى نفسياتهم وسلوكياتهم المضطرية وضعف تحصيلهم الدراسي بسبب طلاق الأبوين والمشاكل المستمرة بينهم.

أخبرني مدير مدرسة عن طلاب انحرفوا وضاعوا وارتكبوا رذائل عديدة منها  السرقة والتدخين وغير ذلك، وهؤلاء الأطفال كانوا يذهبون للأب أحيانًا وإلى الأم أحيانًا أخرى، وفي الطريق يحدث الضياع حين تعتقد الأم أنهم عند والدهم، ويعتقد الأب أنهم عند والدتهم، بينما هم بين الأزقة وفي الحواري والشوارع.

القصص الواقعية عن تعامل زوجة الأب مع أولاده لا تُعد ولا تُحصى من القسوة والعنف والضرب واستخدامهم في أعمال المنزل والوشاية بهم عند الأب بسبب وبدون سبب، وتفضيل أبنائها عليهم والتفرقة بينهم في المعاملة وفي ما يقدم لهم من الطعام والملابس والرعاية، وكذلك تعامل الزوج مع أبناء الزوجة من ضيق وتبرم وسوء معاملة وتفرقة واستغلال وظلم وتعدٍ. ولقد حضرت قضية في إحدى المحاكم طرفها فتاة في السابعة عشرة من عمرها، جاءت تشكي هي وزوجها أن زوج أمها قد احتال عليها وأكل مهرها، وهو ينكر ذلك، ويدعي أنه أنفق المهر على إخوتها الصغار من والدها، ولقد أشفقت عليها لما رأيت من صغر سنها وصدق لهجتها وبلاغتها في القول، لكن في القضاء لا يُؤخذ بالعاطفة والبلاغة.

الشاهد في هذا أن كثيرًا من أزواج الأمهات يظلمون أبناء الزوجة ويضيِّقون عليهم الخناق ليتركوا بيت زوج الأم، وكل هذا هين إذا ما تذكرنا مدى صعوبة أن لا يعيش الطفل في أسرة مستقرة وفي بيت يسوده التفاهم والانسجام بين الأب والأم؛ حيث يشب الطفل ويترعرع في كنف والديه يغدقان عليه الحب والحنان والرعاية والرقابة والتوجيه والنصح.

إن الصعوبات النفسية والسلوكيات المضطربة تلاحظ كثيرًا لدى هؤلاء الأطفال ومنها الانطواء والخجل وعدم الثقة بالنفس وعدم القدرة على مواجهة تحديات وصعوبات الحياة، أو أن يكون الطفل عدوانيًا ومتمردًا وغير مبال بقيم وعادات وتقاليد المجتمع وغير ذلك من السلوكيات المنحرفة.

ومع كل ما ذُكر، فإن بعض من حدث بينهم الطلاق يتفقون على تربية الأبناء ويتفاهمون فيما بينهم، بأسلوب حضاري وراقٍ، يُجنِّب الأبناء الضياع، ويسهم في أن يسود التفاهم والاحترام والتقدير الجميع.