المسؤول وموجة التشكيك

 

ماجد المرهون

majidalmrhoon@gmail.com

 

 

مهما بلغ حجم المعلومات المُحصلة عن أيِّ موضوع يبقى هناك قدرٌ ضئيلٌ من الريبةِ في كمال دِقتها، وهذا الشك له اعتباره واحترامه في إطار الأخطاء المحتملة ويوضع له احتياطاتٌ مُعلنة تجنباً لانعكاساته.

 

لاحظنا كما قد يلاحظُ كثيرٌ من الناس هذه الأيام استشراء فكرة المسؤول غير المحبوب وربما المكروه في بعض الأحيان ولا بأس فليس الكل يحب الكل، ولكن ترابط المصالح يُحتِّم التقارب في أحايين كثيرة شريطة تأطيره بسلوك الأدب والاحترام، بالإضافة إلى القوانين والعادات السائدة.

 

تنامي تأثير فكرة المسؤول غير المحبوب ربما تضع كل مسؤولٍ في موقف حساس جداً داخل محيط دائرةٍ ضيقة، كما أن خطورة تعاظمها مع مرور الوقت إلى خارج إطار دائرته تكمن في تحولها إلى ثقافة عامة وسيفقد معها ذلك المسؤول مصداقيته أو جزءٌ كبير منها وإن كان صادقاً وعلى حق.

 

إنَّ جيل الستينات والسبعينات بات اليوم متقاعداً مثقلاً بالهموم أو على وشك، وبالتالي لم يعد لديه اهتمامٌ كبير بما يقوله المسؤول إلا قليلاً منه، ولكن جيل الثمانينات والتسعينات وهو المحور الذي يرتكز عليه سوق العمل اليوم وربما خلال العقد القادم ومابعده هو الأساس المؤمل والمعتمد عليه.

 

هاذان الجيلان هم الموظفون الآن والعمال ورواد الأعمال وأصحاب المشاريع وهم الباحثون عن عمل وهم المنهية خدماتهم والمسرحون وقد شحنوا بفكرة عدم الثقة بالمسؤول، وربما ذلك من خلال ما اختبروه وشاهدوه أو على الأقل ماسمعوه من وعود وتأميل وتصبير وغيرها وهم الأكثر ارتيادًا واستخدامًا لمواقع التواصل، ولذلك نجدهم بالمرصاد على كل ما يقوله المسؤول ولا يترددون في بث خبيئة الشحنة السلبية فتظهر على شكل تعليقات قاسية تُشير من طرف خفي إلى التكذيب، وساخرة تعكس في مضمونها عدم اليقين وقد تصل إلى التهكم أو التنمر وهذه الخطورة التي لا نرجوها مع أنها أصبحت ملحوظة وتسود مع مرور الوقت.

 

يقول الألماني هايزنبرج صاحب مبدأ عدم اليقين أو الريبة: "عدم مقدرتنا على معرفة المستقبل ليس لعدم معرفتنا بالحاضر، وإنما بسبب عدم استطاعتنا تعيين الحاضر بدقة كاملة" ولم يتوقف عند عمق هذه الفلسفة وحسب، بل صاغها في نظرية رياضية نال بروعتها جائزة نوبل.

 

على المسؤول أياً كانت مسؤوليته أن يراعي أعلى درجات الدقة فيما يقول ويُصرِّح حيث إن المستقبل قاب قوسٍ ونصف من الحاضر المتسارع والماضي رمية الغرض، وأن ينتقي كلماته بعنايةٍ شديدةٍ وحرص ثم الابتعاد عن تعليق الأخطاء على الماضي وإطلاق الوعود بعيدة المدى تجنباً لانعكاساتها، فقد يكون بعضها بحجم همومِ وطن وقد لا ترقى إلى مستوى الطموح إن لم تتحقق، وليضع في اعتباره ردود الأفعال المحتملة بشقيها وتقبلها وأنه يتعامل مع جيل غير مخضرم لايفهم معنى صعوبات ماقبل السبعين ولاتعنيه من الأساس بل يعيش مرحلة فاقعة من المقارنات مع دول ومجتمعات وثقافات أخرى.

قد لا أحبك ولكن لا تجعلني اعتنق بُغضك، وقد لا اتفق معك ولكن لا تجبرني على مخالفتك.