الأمن النفسي أيضًا مهم

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

مع كل إنجاز أو خبر سعيد، نسمع مقولة ألفناها منذ زمن بعيد جدًا "عُمان بلد الأمن والأمان"، وكأنَّ هذه العبارة صارت أيقونة تتفرد بها السلطنة دون غيرها من البلدان، فكلماتها يتردد صداها على الأسماع حتى من غير العُمانيين أنفسهم، وهذا ليس بغريبٍ على بلدٍ يتمتع باستقرار سياسي واقتصادي منذ بزوغ فجر أول يوم في النهضة الحديثة لعُمان تحت راية الخالد في قلوبنا السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه-.

ومن ذلك نرفع القبعة فوق هامات السحاب للأجهزة الأمنية بكافة أجهزتها وتشكيلاتها ومنتسبيها لما يقومون به من دور رائد من أجل الحفاظ على هذا المستوى العالي من الأمن والأمان، والذي نحمد الله عليه، ونسأله أن لا يُغير علينا هذا الحال إلى أسوأ منه.

ولكن في ظل سوء الوضع الاقتصادي الذي يجتاح دول العالم أجمع منذ عدة سنوات؛ والذي انعكس سلباً على الوضع المعيشي للمواطنين في السلطنة، فكان من الأسباب الرئيسية في شح الوظائف، وارتفاع أعداد الباحثين عن عمل عاما بعد عام، وازدياد أعداد المسرحين من أعمالهم، وغلاء المعيشة، وارتفاع أسعار الخدمات والسلع الاستهلاكية وتدني المستوى المادي لكثير من الأسر، نرى أنَّه آن الأوان لكي نلقي بالاً للأمن النفسي، ونعطيه مساحة لائقة من الاهتمام أسوة بما نوليه من اهتمامٍ بالغٍ بالأمن والأمان  المادي. ويجب أن نسعى جاهدين من أجل تحقيق الأمن والاطمئنان النفسي لمواطني هذا البلد، والذي بموجبه يستطيعون العيش بعزة وكرامة، دون الشعور بالخوف أو القلق أو التوتر أو الضغوطات النفسية.

فكيف لموظف في قطاع خاص أن يعيش بأمن وأمان واطمئنان نفسي وهو لا يدري متى تأتيه ورقة التسريح من الوظيفة، بحجة أنَّ المشروع المسند للشركة التي يعمل بها انتهى، ليجد نفسه بين عشية وضحاها في الشارع، بلا وظيفة ولا دخل مادي ولا حتى ريال في جيبه؟ أو أن عقده المؤقت الذي يعمل بموجبه في شركة ما قد انتهى.. فيا أيها الفقير تدبّر أمرك؛ وابحث في أرض الله الواسعة لعلك تحظى بوظيفة أخرى بعقد مؤقت آخر، ويستمر هذا المسلسل، ما تزال العجلة تدور وتدور.

وكيف لرب أسرة أن يعيش بأمان، وبدون قلق أو توتر وهو لا يعلم كيف يوزع راتبه الشهري البالغ 325 ريالًا بين فواتير الكهرباء والماء والهاتف، ووقود السيارة الذي ربما يصل إلى 100 ريال في الشهر الواحد، والمأكل والمشرب والملبس، وإيجار المنزل وبقية مستلزمات الحياة اليومية، ناهيك عن المصاريف المضاعفة في أيام الأعياد، وعند العودة للمدارس.

نراه يدور بين رفوف المحلات التجارية يحمل كيسًا ويضع آخر ليشتري لأبنائه أرخص الأشياء، ويأخذ الحد الأدنى من مستلزماته، وبعد أول أسبوع من نزول الراتب يقبع في بيته منطويًا على نفسه، يتحلق من حوله أبناؤه الصغار، ينتظرون معًا راتب الشهر المُقبل، لتدور العجلة من جديد.

وإنني لأتساءل: هل يستطيع واضع قرار الحد الأدنى للأجور العيش بهذا الراتب دون اللجوء للاقتراض؟ هل جرَّب أن يعيش سنة كاملة براتب 325 ريالًا؟ وكيف لتاجر أو صاحب عمل حر أن يعيش بأمان واطمئنان وهو يرى أنَّ الإجراءات في بعض الجهات غير مستقرة؛ حيث يُمسى على قانون ويصبح على قانون آخر صادم يُغيِّر كل دراسات الجدوى المُعدَّة لسنوات إلى الأمام ينسف بها كل الجهود، وتتبخر معه كل أحلامه وآماله في العيش بسلام واطمئنان، فتراه يخوض صراعاً أشبه بصراع كائنات بحرية في بحر مظلم متلاطم الأمواج من أجل البقاء في السوق، مع انخفاض حاد في القوة الشرائية في كافة الأسواق المحلية، وشبح إغلاق مشروعه التجاري يطل برأسه عليه من باب مؤسسته كل صباحٍ ومساء.

كيف لطالب علمٍ على مقاعد الدراسة أن يشعر بالاطمئنان النفسي وهو يرى طوابير الباحثين عن العمل؛ من أصحاب الشهادات العُليا ممن سبقوه بالتخرج وهم ينتظرون الحصول على وظيفة تتناسب مع مؤهلاتهم الدراسية، لا يدري ما ينتظره من مستقبلٍ مجهولٍ في المجال الوظيفي بعد التخرج.

كيف لزوجة أن تشعر بأمن نفسي وزوجها رهين الحبس بتهمة عدم القدرة على تسديد المطالبات المالية للدائنين، التي جرّها عليه تسريحه من وظيفته؛ بل حري بها أن تعيش في حزن وقلق دائمين، فهي لا تعلم كيف يقضي أيامه ولياليه في الحبس، وجل ما تعلمه أنَّه نال ونالت معه الذل والهوان والإهانة والعذاب النفسي والقهر والألم والهموم والأفكار، وحين تسأل عن حالها هي وأبنائها الصغار تجيب "أهم شيء الأمن والأمان".

نحن على يقين تام بأنَّ الأمن النفسي في كافة الجوانب لن يأتي راكبًا جوادًا أصيلًا على نحو تلقائي؛ بل من خلال منظومة متكاملة من السياسات والتشريعات التي تضمن تحقيقه بالشكل المأمول لا سيما وأن البلد به خيرات كثيرة ونعم وفيرة، منها النفط والغاز والثروات المعدنية والزراعية والحيوانية والسمكية، والاستثمارات في قطاعات كثيرة، إضافة إلى سواحل بحرية تمتد لقرابة 3165 كيلو مترًا من مضيق هرمز وحتى الحدود مع اليمن الشقيق، كل ذلك كفيل بأن يُحقق العيش الكريم لكل مواطن على هذه الأرض الطيبة إن أُحسن استغلالها بالشكل الأمثل.

إننا نتطلع إلى تقديم الدعم اللازم لوزارة التنمية الاجتماعية سواءً كان بزيادة المخصصات المالية لهذه الوزارة من الميزانية السنوية للدولة، أو من خلال دعمها بالكوادر البشرية، أو تقديم الدعم اللوجستي لتتمكن من توسيع نطاق مظلة الحماية الاجتماعية لأسر الدخل المحدود وما في مستواها أو دون مستواها مثل أسر الضمان الاجتماعي والمتقاعدين والباحثين عن عمل، وبذلك تحقيق عيش كريم لجميع الأسر العمانية، وتحقيق الأمن والاطمئنان النفسي للمواطن والمقيم.