الطلاق

 

سالم بن نجيم البادي

ذكرت إحصائية حديثة أن 3 آلاف و837 حالة طلاق وقعت في سلطنة عُمان خلال العام 2021؛ وهو رقم كبير مقارنة بعدد السكان، وكنت قد تحدثت عن ضرورة دراسة أسباب الطلاق من قِبل أهل الاختصاص في علم الاجتماع وعلم النفس وعلماء الدين وأصحاب الاختصاص بأحوال الأسرة والمجتمع وكذلك وزارة التنمية الاجتماعية وجمعيات المرأة وحتى وزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام.

ومن أسباب الطلاق الوضع المالي للأسرة في ظل الغلاء، ومتطلبات الحياة المتزايدة، والاختلاف الفكري بين الأزواج، والتفاوت في المكانة الاجتماعية بينهم، وغلاء المهور، وتكاليف حفلات الزواج. كما إن الطلاق يقع حين يشعر الزوج أنَّ زوجته قد حمّلته ما لا يطيق من الديون والتبعات المالية فضلًا عن اختلاف الأمزجة من حيث العصبية الزائدة وعدم الصبر على منغصات الحياة الزوجية.

ويمكن أن نضيف تأثير وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث أصبح كل شيء مكشوفًا، وهنا تظهر الحاجة إلى القناعة وعدم النظر إلى ما في أيدي الغير، وخاصة مع تبرج بعض النساء في مواقع التواصل، وإظهار مفاتنهن؛ حيث تحدث المقارنة بين الزوجة وبينهن، إلى جانب الوقت الطويل الذي يقضيه الأزواج في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أوجدت حالة من الاغتراب والتباعد النفسي بين الزوج والزوجة.

ولعل من أسباب الطلاق كذلك، انتشار موجة "النسوية" وتمرد بعض النساء على الأزواج، والهرولة نحو تقليد المرأة في المجتمعات الغربية، والمطالبة بالحرية المطلقة والاستقلال عن الرجل، بزعم أن المرأة تستطيع أن تدبّر شؤونها بعيدًا عن الرجل وسطوته.

كما ظهرت إشكالية جديدة وهي الصراع على راتب الزوجة، ومحاولة الزوج السيطرة عليه أو الاعتماد عليه في الإنفاق على الأسرة، والحصول على قروض من البنوك بضمان راتب الزوجة، وتظل الزوجة تدفع الأقساط لسنوات طويلة وتشعر أنها محرومة من التصرف في راتبها، وهذا يؤدي إلى النفور بين الزوج والزوجة، وقد تعتقد أنه إنما يريد راتبها فقط. وتشتكي بعض النساء من الصمت والبخل العاطفي وقلة اهتمام الزوج بزوجته وإهمالها، والانصراف إلى مشاغل الحياة، بينما هي تصبح آخر اهتماماته. كما إن بعض الأزواج يتحدثون عن إهمال الزوجة لزوجها والتعالي عليه وعدم احترامه وتقديره والاستخفاف به وبما يقوم به، وعادة يكون الدور الأكبر على الزوج في قيادة سفينة الحياة الزوجية. وقد لا تقدر بعض الزوجات ما يقوم به الزوج، وما يجد من صعوبات وعقبات وتعب، وهو يحاول توفير متطلبات الأسرة، وتظل تطلب المزيد ظنًا منها أن هذا واجبه ومن الطبيعي أن يقوم به دون الحاجة إلى الثناء والإشادة بدوره.

ولا نغفل دور الشك والغيرة المرضية في خراب الحياة الزوجية وبعض المعاصي التي يرتكبها الزوج من إدمان الخمر أو المخدرات والخيانات الزوجية المتكررة، علاوة على روتين الحياة الذي يجعل الحياة الزوجية مثل المياه الراكدة والتي سرعان ما تفسد. وهناك أسباب أخرى كثيرة!

وعادة يحصل الطلاق نتيجة تراكم المشكلات الزوجية، وقد تلقي الزوجة بكل المسؤولية على الزوج في الطلاق، وهناك زوج يحمّل زوجته كامل المسؤولية عن الطلاق، وفي الغالب تكون المسؤولية مشتركة بين الزوج والزوجة، نتيجة التعنت وعدم تقديم تنازلات متبادلة.

والحديث عن الآثار النفسية للطلاق لجميع الأطراف (الزوج والزوجة والأطفال) يطول، خاصة لدى الأبناء، والمرأة المطلقة في مجتمعنا تعاني كثيرًا، فيما يلاحقها لقب مطلقة وكأنَّه العار تمشي به بين الناس. ومن المؤسف أن يُلقى عليها باللوم في وقوع الطلاق من بعض الفئات في المجتمع. وحين يحدث الطلاق تنطلق الشائعات والأقاويل، التي تفسّر أسباب الطلاق، وأغلبها كذب وظن وباطل وزور وبهتان. كما تسمع المطلقة عبارات مثل "لو فيها خير ما طلقها"، و"لو زينة ما بيطلقها"، ثم إذا رغبت في الزواج يقولون "عقت أولادها وتزوجت"!!

وتظل مشكلة تربية الأبناء تؤرق المرأة المطلقة، وبعض النساء المطلقات يفضلن عدم الزواج والتفرغ لتربية أبنائهن، وهذا يتطلب الصبر والتضحية والكفاح.

ولعل المرأة المعاصرة والمتعلمة والموظفة تستطيع التغلب على صعوبات ما بعد الطلاق وتعمل على تقرير مصيرها بنفسها دون وصايةٍ من أحد، ما دامت لا تُخالف الدين والعادات والتقاليد والأعراف في المجتمع. ومن النساء المطلقات من تتخذ موقفًا مُعاديًا من كل الرجال، وتقول "كلهم مثل بعض"، وتُصاب بعقدٍ نفسيةٍ، وقد تجلد نفسها وترى أنها فاشلة، أو أنها هدمت بيتها بنفسها، وقد تتلقى الغمز واللمز واللوم حتى من قريناتها من النساء في أسرتها. وبعض النساء يظهرن الابتهاج والتشفي، إذا تم طلاق امرأة من معارفهن، كما قد لا يُرحَّب بالمطلقة حتى من أفراد أسرتها، وينظرون إليها وكأنها عبء جديد، خاصة الأسر ذات الدخل المحدود.

وبعض المطلقات يبحثن عن زوج، وهذا من حقهن، لكن يجب التفكير العميق وعدم التسرع في اختيار الزوج، حتى لا تكون العواقب وخيمة، وتتكرر المأساة ويقع الطلاق مرة أخرى، بينما هي أرادت الهروب من تبعات الطلاق. وتحتاج المرأة إلى السند والأمان والحب والحنان والحماية من الرجل وتلبية رغبات الجسد، فهذه هي الفطرة السليمة، وما عدا ذلك فهو مكابرة وتمرد على الفطرة.

ويُعتقد أن العودة إلى الدين وتقوى الله وطاعته وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام والاقتداء به هو الحل للحد من ظاهرة الطلاق، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى عليه وسلم قال: "تُنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". رواه البخاري ومسلم.

ويقول الرسول عليه الصلاة والسلام: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير، وفي رواية عريض". رواه الترمذي.