عائض الأحمد
القدرات والمعجزات وتحدي الطبيعة لم تعد مهمة أو ملهمة لمن استقر واستأنس بقناعته الشخصية، وأسدل ستار حياته أمام كل هذا؛ سواء كان برضا تام أو بشيء يعلمه ويحتفظ به.
ومن يبحث عن الحقيقة الفعلية، عليه أن يتحدث عن الأقوياء بنفس جرأة حديثه عن الضعفاء، فميزان العدالة نسبي ولكنه يظهر بوضوح حينما تلجم الزفير وتظهره زعيقا بمواصفات حياد ظالم. هناك من يستكبر على أقرانه فيأتيه من حيث لا يعلم حديث هامس.
من تظن نفسك؟ فهناك حيوانات تفوقك قدرة وعلما ومعرفة، تتأقلم مع محيطها وقد يسبق تنبؤها بالكوارث قدرتك وفهمك، بفضل الله وليس لتميزك أو علمك أو منزلتك شأن، ولن تستطيع ذلك حت إن حاولت.
سأقص عليك قصة قرأتها في إحدى "صحف الحائط" في مدرستي، وتقول بتصرف: "العقرب تناسى وعده للضفدع في منتصف النهر، لأنه يعلم بأن من طبعه أن يلدغ؛ فهلك الإثنين وبقيت القصه تذكرها الطبيعة".
التاريخ براوية أصحاب المنافع يقسم عليه غير آبه بما جرى لمن كانوا شهود زمانه، والجغرافيا تحفره على أرض صلبة، ينبت فيها كل شيء، حتى شجرة الزقوم، من هنا تلوم ضعف الآكلين واستساغة ما يصنعون، حين تغشى الأبصار وتفقد إحساس كرامتك، تتساوى ملذات الطيبات وتبرر الخبائث.
أولى بك أن تحمد ربك، ولعلك تستجمع قواك وتبهر عقلك، حين تقرأ ورد أنفاسك الباقية شفقة وحيلة، كما فعل الأولون في كتاب أرسل للآخرين، أرونا ماذا أنتم فاعلون؟
قدرة الإنسان قد تخفى عليه، ويستهين بها وقد لا يدركها، ويعتقد في أحيان كثيرة بأن ما يراه ضربا من الجنون، فيفيق على حافة جرف عظيم تتقاذفه رياح عاتية، متسائلا: هل لي بها ؟ أو لم أكن في سابق عهدي أقلهم شكوى وأندرهم حكمة؟
حين تستجلب وحي طاقتك الكامنة، ثم تقرنه بعقلك الواعي، هنا تدرك بأن معاناتك ليست إلا فزاعة، خلقت لك فانتزعها متى شئت، لن توهب لك هكذا، في إشراقه خمول يستره رضا يخبو على أطراف أناملك الرخوة، ويسقيه مقولة عابد في صومعته إنا هاهنا قاعدون.
نظرتنا الفلسفية للحياة نلبسها خيال بعض المرضي، فنحكم على فلان بجنونه، وننكر عليه فعله بالعلن، ثم نمارسه خفاء، جبناء في مواقفنا، تعساء في واقعنا، نجنح لتبرير أفعالنا، ثم نرتشف حرامها ارتشافا، خلف ستار الرحمة، "إذا ابتليتم فاستتروا".
ختامًا.. "يا صاحب الجنب من أنت أخبرني، فماعدت أملك يا سلطان أحزاني، إني وإن عدت أرجو أن تزودني بما يخفى وما كان من أمري".
*****
ومضة:
العهدة على الراوي، أما ناقل الكفر فما عساه يخبرني.
يقول الأحمد:
من عاش بالفقر قتلته العفة، ومن سعى إلى جنون الدهر خذلته الحكمة.