الضريبة.. والفوضى الاقتصادية!

 

 

حمد بن سالم العلوي

إنّ الضَّريبة المُضافة التي فرضتها الحكومة، وكان ثقلها على المواطنين، وذلك أثناء جائحة "كورونا"، والتداعيات الاقتصادية التي ترافقت مع تلك الأزمة، فإنني أستطيع تشبيهها بضربتيْ مطرقة على رأس مسمار في غُصنٍ أخضر، وحتى وإنْ زعمت الحكومة أنَّها اكتسبت أربعمائة مليون ريال من هذه الضريبة المضافة، إلا أنَّ الذي فقده المواطن والاقتصاد العُماني أكثر من ذلك بكثير، وأنا لست محللاً اقتصادياً متخصصاً حتى أشرح لكم بوضوح هذه الفجوة الكبيرة بين المردود والمفقود، ولكن الفارق الذي أحدثته الضريبة المضافة على أسعار السوق.. قد شعر به الكل، بل وتألم من كيِّه كل مُتسوق.

وقد شرح لي صديق بأسلوبه المُبسط كيف كان أثر هذه الضريبة على السوق، ومن شرحه الموجز هذا، استطعت أن أستوعب المشكلة، وعلمتُ كيف يضطرب سوقنا الصغير من أية ارتدادات بسيطة؛ لأنه يعتمد على اقتصاد ريعي ودعم مباشر من الحكومة، ولا يقوى على الفطام في الزمن القريب، وينطبق عليه المثل العُماني القائل: "إن حَشِّت تعشِّت وإن لا فباتت بلا عشاء"، ومن شرحه كذلك أستطيع أن أستنتج هشاشة اقتصادنا الوطني؛ فيقول صديقي أيضاً؛ إن لديه مطعما صغيرا، وهذا المطعم الصغير يتأثر سلبياً، بمجرد أن يبدأ موسم الخريف في صلالة، أو يفتح مهرجان مسقط السنوي، فإنَّ الدخل اليومي ينزل إلى النصف تقريباً، وأنه يجد صعوبة في توفير معاشات الموظفين، وإيجارات المحل، وفواتير الكهرباء والماء.

تُرى أي اقتصاد هذا الذي يتأثر بأدنى التقلبات رغم بساطتها؟! وكيف يقوى على الاستمرار أمام تقلبات القرارات الحكومية والرسوم الباهظة؟! وقرارات وزارة العمل، وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، والبلديات، وغيرهم من الجهات الحكومية التي همُّها قبض الأموال دون التفكير في النتائج، فإن بسط يد الحكومة ينعش الاقتصاد، وما سوف تستفيده الحكومة في المقابل من انتعاش الأسواق والتجارة والصناعة عموما، سيتم جني الثمار لاحقاً وبطرق مختلفة.

إنَّ المتخصصين الاقتصاديين يعلمون تمام العلم، أنَّ السفن لا تجري على اليابسة، وحتى ينمو الاقتصاد ويتطور، فإنَّه يحتاج إلى دعم مُباشر من الحكومة، إذن يتوجب على الحكومة أن تضخ المال في الشرايين الاقتصادية، والمُمثلة في الشركات الصغيرة والمتوسطة، لأنَّ المسألة ليست كلها أخذ كما هو حاصل الآن، والناس تقدّر الظروف القاسية التي مرت بها الدولة، ولكن القبض وراء القبض سوف يخلق حالة مرعبة من الانكماش الاقتصادي الذي يصعب إصلاحه على المدى القريب، والأمر الغريب أنَّ الحكومة لا تريد أن تراعي ذلك، ورغم أنَّ لديها الكثير من المتخصصين الاقتصاديين، وبعضهم كانوا مسؤولين كبارًا في الحكومات السابقة، ولكن عقدة المتقاعدين لا تسمح للحكومة بسؤالهم عن رأيهم، وأخذ ما يناسب من النصيحة.

لأنَّ بلدًا كعُمان تُعد ذات نشأة اقتصادية حديثة، وعدد سكانها بسيط، ولا يشكل كثافة شرائية قوية، وجغرافيتها متباعدة وحواضرها ضعيفة، وإن كانت نامية ومتطورة، إلا أنها تحتاج إلى سنين طويلة لكي تكوِّن مراكز شرائية واقتصادية مجدية، وتعتمد على ذاتها، إذن لا تقوى أسواقنا الصغيرة على تحمل ضرائب ورسوم كثيرة، فإذا كان مقهى في مسقط يتأثر بخريف صلالة، وينخفض دخله مباشرة، وقس على ذلك أمور كثيرة.

إذن.. يتوجَّب على حكومتنا الرشيدة أن تُراعي كل خطواتها وقراراتها ذات التأثير المباشر على اقتصاد الوطن، وأن تتبع في ذلك نهجين متوازيين؛ أولهما: استحداث آلية تُسّهل على الناس العمل بدون عُقد ورسوم وضرائب لا طائل منها، وثانيهما: تخفيف الرسوم والضَّرائب الحالية، أو وقفها أو التقليل من القرارات المعقِّدة للعمل الحر، والمنفرة للاستثمار الأجنبي، خاصة تلك القرارات غير المدروسة من كل جوانبها، وإنما تعطي قدراً كبيراً من البيروقراطية للمنفذين من مرضى "السادية" ليُمارسوا هواية التطفيش والتنغيص.

إنَّ بيد الحكومة الكثير والكثير، وهي تستطيع من خلاله إنعاش الاقتصاد الوطني، وتكوين بنية متطورة ونامية من القاعدة الاقتصادية، وذلك من خلال الإحلال المتدرج، أو الإحلال الموازي والمنافس، وبالحماية المباشرة للحكومة؛ لأن التجارة المستترة هي من يقضي على تقدم التجارة الوطنية، ولكن حذارٍ من الإلغاء لأي نشاط بصورة ارتجالية كما سبق وحصل، وإنَّ إلهاء الناس بالوظائف البسيطة لا يخلق تقدماً في مجال التشغيل المستهدف عدا بعض الأرقام المُضللة؛ فمن ضمن الخطوات الداعمة للتشغيل أنْ يرخَّص للمواطن بالعمل بترخيص دون رسوم لمدة عامين؛ فإذا نجح يبدأ بأخذ رسوم رمزية منه لعامين قادمين، فإذا سال المال على يديه، فوقتها سيدفع ولا يبالي؛ لأنه عرف الطريق إلى جلب المال.

أمَّا أنْ يتربص بالمستثمر من بداية العمل، ويعمل على إفلاسه وتخْسِيره من أول خطوة، فتلك هي النكبة بعينها، فقد سبق لي وأن سمعت قصة من صاحب مطعم جديد، فقال لي إنه دفع لحد الآن 75 ألف ريال عُماني على مطعمه، فتمثل ذلك في الديكور والإيجارات والرسوم، وما زال يدفع لأن فريق التفتيش لم يزره بعد، وذلك حتى يوافق له على عدد العمال ومن ثم جلبهم من الخارج، وحتى لو حصلت الموافقة سيحتاج إلى شهرين أو ثلاثة على الأقل، لكي يُحضر العمال، وينهي إجراءاتهم من فحوصات وإقامات، إذن قل ستة أشهر تضيع بخسائرها ومصروفاتها، حتى يتمكن من فتح مطعم، فماذا ستكون الحال لو أراد أن يفتح مصنعاً ما، ومع غيرنا لا يحتاج الأمر أكثر من ثلاثة أيام ليحصل على التراخيص جميعها.

والأمر العجيب.. أنَّ الجميع صار يعرف هذه العُقد، ويتندَّر منها وبها، وبعضهم بيدهم الحل كله أو بعضه، ومع ذلك لا يحرك ساكناً من أجل تغيير هذا المسار البطيء، والمؤثر سلباً على اقتصاد الوطن، ومن ضمن الحلول، وقف الاستمرار في فرض الضريبة المضافة، بعدما عادت الظروف المالية إلى وضعها السابق، نتيجة ارتفاع إنتاج النفط والغاز، وارتفاع سعريهما، أما إن كانت الحكومة تقتدي بالتجار الذي يعرفون الرفع فقط، ولا يوجد في قاموسهم خفض.. فتلك هي المصيبة الكبرى.