الاستثمارات العمانية في الخارج

د. محمد بن عوض المشيخي *

إدارة الاستثمارات بنجاح، واختيار المكان والزمان المناسبين لذلك، لم يكن في يوم من الأيام عملية سهلة أو مُيسرة، بل تحتاج إلى جهود جبارة وخبرة واطلاع على تفاصيل دقيقة للفرص الاقتصادية الواعدة في هذا العالم الذي يُعاني من أزمات واضطرابات: سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية؛ فمعرفة مفاصل الاقتصاد العالمي ونقاط ضعفه، والتنبؤ بمستقبل الأسواق العالمية والتحديات التي قد تحدث في قادم الأيام؛ من أهم مفاتيح النجاح للاستثمار الآمن؛ وذلك على مستوى الصناديق السيادية، بل وحتى على مستوى الأفراد والشركات العابرة للقارات.

فالحكومات الغربية وشركاتها العملاقة، قبل اتخاذ قرارات استثمارية في أيِّ بلد في العالم؛ تكلف وكالات متخصصة في البحث والدراسة المتعمقة على مجموعة من العناصر؛ مثل: الطبيعة والتركيبة الاجتماعية للدولة، ومدى استقرار نظامها السياسي، وشفافية القرارات السيادية للنظام، وعلاقة ذلك بقوانين الاستثمار، وقبل ذلك كله التركيبة السكانية وأعراق المنظومة الاجتماعية للشعب، ومدى تجانس النسيج الإنساني في تلك الدول وانعكاس ذلك على الأمن والاستقرار في المُستقبل.

وكنت أسأل نفسي سؤالا جوهريا حول التحديات التي واجهت الاستثمارات العمانية منذ تسعينيات القرن العشرين وحتى اليوم؛ فكانت البداية استثمار عشرات الملايين من الريالات العمانية في آسيا الوسطى بعد تفكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في قطاع النفط، ولكون هذه المنطقة من المناطق المُلتهبة وغير المستقرة وتفتقد للأمن، فقد واجهت هذه الاستثمارات مشاكل كثيرة، ودخلنا في تسويات غير عادلة للحصول على بعض من أموالنا التي اخترنا لها المكان الخطأ وغير المُناسب.

ويستمر مسلسل خسائر الأموال العامة للدولة، إذ إن صندوق الاحتياطي العام للدولة (جهاز الاستثمار العُماني حاليا) قد اشترى 30% من بنك كورب بنك البلغاري الذي انهار لاحقا وخسرنا حوالي 90 مليون دولار، والأسوأ من ذلك أن خسرنا كل الأموال التي استثمرناها في البنك البلغاري، هذه الدولة ذات النظام الشمولي التي تُعد من مخلفات النظام الشيوعي، وتعاني من عدم الشفافية والعدالة، فقد سحب صندوق الاحتياطي الدعوة القضائية المرفوعة ضد الحكومة البلغارية عام 2018 بعد مرور عدة سنوات من الجلسات في المركز الدولي لتسوية المنازعات في واشنطن؛ إذ كانت السلطنة تُطالب بـ80 مليون يورو كتعويض عن خسارتها في البنك المنهار.

كما أنَّ إحدى الشركات التي تملك الحكومة مُعظم أسهمها والمتخصصة في الاتصالات (عمانتل)، قد أعلنت عن خسائر باهظة في استثماراتها في باكستان؛ إذ استحوذتْ على 56% من شركة "ورلد كول" للاتصالات عام 2008، وكانت الصفقة خاسرة بكل المقاييس.

وفي الفترة الأخيرة، نتابع توقيع مذكرات تفاهم بين صندوق الاستثمار العماني والعديد من دول شرق إفريقيا، وقد تأتي هذه الاستثمارات المرتقبة التي لا نعرف عنها الكثير، بنتائج مشابهة للاستثمارات السابقة، ذلك لكون القارة الإفريقية بشكل عام وعلى وجه الخصوص غرب وشرق إفريقيا من المناطق التي تُصنَّف بأنها غير مستقرة وغير مناسبة للاستثمارات الأجنبية.

ووسط هذه التحديات التاريخية التي واجهت الاستثمارات العمانية في الخارج، طوال العقود الماضية، بسبب عدم وجود رؤية واضحة للقائمين على استثمارات السلطنة وثرواتها المستقبلية التي تعتبر كنزا من كنوز مُستقبل أجيال المستقبل، تظهر في الأفق بعض النتائج الجيدة خلال الفترة من يونيو 2020 إلى ديسمبر 2021 تتمثل في تحقيق متوسط ربح وعوائد تجاوزت الـ10% منذ تأسيس الجهاز قبل عامين، كما تمت إضافة 35 استثمارا جديدا إلى المحفظة الاستثمارية في أسواق الأسهم. كما كشف الجهاز عن بعض الاستثمارات الناجحة في تركيا وسلطنة بروناي وتركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في التخارج من بعض شركات الأجهزة الطبية وتقنية المعلومات والتعليم الجامعي.

إنَّ أكثر ما يحتاجه جهاز الاستثمار العماني هو الشفافية؛ فالصندوق لا يكشف عن أصوله، ويعتبر ذلك سرًّا يجب الاحتفاظ به بعيدا عن وسائل الإعلام، رغم أنَّ المعايير التي تطبقها الحكومة في بورصة مسقط ومعظم الوزارات الحكومية تحرص على تطبيق الشفافية في مُعاملاتها اليومية، وعلى الرغم من هذا التحفظ فقد كشفت وسائل الإعلام العربية والعالمية العام الماضي 2021 ترتيب أصول الصناديق السيادية العربية؛ إذ احتل جهاز الاستثمار العماني الترتيب العاشر بين الصناديق العربية والتريب 38 عالميا، وذلك بإجمالي أصول مدارة بـ17 مليار دولار أمريكي.

وفي الختام، لا نقصد بهذا المقال إلا مزيدا من الحرص واليقظة والمحافظة على أموال جهاز الاستثمار، والتي هي بمثابة الرصيد المستقبلي للوطن والمواطن، ونثمِّن جهود من قاد هذه الاستثمارات عبر عقود النهضة العمانية المتجددة؛ سواء من لم يحالفهم الحظ في قراراتهم، فلا شك نواياهم وولاؤهم صادق تجاه هذا البلد وسلطانه، أو من قادوا الصندوق في هذه الفترة، ونجحوا في تحقيق عوائد مجزية.

* أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري