تشو شيوان*
أطلقت الصين قبل أيام قليلة الوحدة المعملية "ونتيان" لمحطة الفضاء الصينية تيانقونغ أو "قصر السماء" كما تم تسميتها، وقد تمت عمليات الالتحام بنجاح لتصبح محطة الفضاء الصينية أكثر جاهزية للعمل وإجراء الاختبارات العلمية المقررة، وباعتبار أنَّ محطة الفضاء الخاصة بالصين هي أحدث محطة فضائية حاليًا؛ فالعالم يتابع مراحل تطورها وعمليات بنائها، ومن هذا المنطلق أردت أن أتناول في مقال اليوم طموحات الصين في الفضاء، والحديث عن سرعة التخطيط والإنجاز للمشاريع الفضائية الصينية وإلى أين وصلت حتى اليوم؟
من يتابع أخبار الصين خلال السنوات القليلة الماضية، سيجد أن الصين هي أكثر من تقوم بمهمات فضائية وعمليات إرسال مستمرة للفضاء سواء لبناء محطتها الخاصة الفضائية أو حتى لإرسال أقمار صناعية مختلفة ومتخصصة في العديد من المجالات، ومن الجدير بالذكر أن الصين قامت بإرسال مهمة خاصة للمريخ في أواخر عام 2020، وأيضًا نجحت الصين بالوصول للجانب المظلم من القمر في بداية عام 2019 في سبق تاريخي، وقبل سنوات عديدة بدأت الصين بتشغيل نظام "بيدو" للملاحة العالمية، وهو نظام ملاحي صيني يحتل المرتبة الأولى عالميًا في عدد الأقمار وعدد براءة الاختراع وسرعة الشبكات ودقة التحديد، وأيضًا تمكنت مركبة العودة "شانغي-5" في نهاية عام 2020 من الهبوط في منطقة منغوليا الداخلية بشمال الصين بعد أتمامها مهمة جمع عينات من صخور وتربة القمر والعودة إلى الأرض، وتعتبر هذه المهمة المحاولة الأولى من نوعها بعد انقطاع أكثر من 44 عامًا منذ مهمة "لونا 24" السوفياتية في عام 1976، وهذه الإنجازات جميعها تعرفنا إلى حد ما أن مشروع الصين الفضائي لديه طموحات كبيرة، وطموحات لا حدود لها.
لقد أثبتت الصين للعالم مرة أخرى أن لديها عقول وخبرات قادرة على صناعة المعجزات، فجميع المشاريع الصينية الفضائية والتي بدأت بشكل فعال مع بداية التسعينيات والتي كان يديرها ويشرف عليها ويصممهما ويخطط لها مهندسون وعلماء صينيون؛ حيث إن ما يقارب 300 ألف شخص يعملون في مشروعات الفضاء الصينية، ما يعادل 18 ضعفا عدد العاملين حاليا في وكالة ناسا، وقد طورت الصين قدرات كبيرة في هذا الجانب حتى أصبحت مقصدًا للكثير من الدول للاستفادة من هذه التجربة خصوصًا أن الصين ومنذ اليوم الأول فتحت أبوابها الفضائية باتجاه المجتمع العلمي وشاركت الكثير من الخبرات مع المنظمات والهيئات الفضائية العالمية.
تخطط الصين للاستفادة من إمكانيات الفضاء واستكشافه بشكل عميق، والوصول لعلوم تحسن الحياة على كوكبنا، ويجب أن أوكد على نقطة هامة بأن الصين لا تريد التفوق بمجال الفضاء بقدر ما تريد أن تساهم في بناء مستقبل هذا العلم وتطوعه لخدمة الإنسان على الأرض، ولهذا نجد بأن الصين لا تصدر أي ضجيج حول مهماتها الفضائية بل تعلن عن نتائجها وأحدث تطوراتها بالأسلوب العلمي وبالطريقة المعتمدة عالميًا مما يؤكد لنا بأن الأهداف الموضوعة هي أهداف علمية بحته.
الصين لديها مشاريع فضائية كثيرة في المستقبل، ولكن من أهم المشاريع التي تخطط لها هي استكشاف كوكب المشتري، ومهمات إنزال رواد فضاء على سطح القمر، بالإضافة لمشروع آخر لاستكشاف المريخ والعودة بنماذج من الكوكب الأحمر، ومشاريع خاصة بجمع عينات من كويكبات قريبة من الأرض، ولديها مشاريع عديدة في مجال الأقمار الصناعية سواء الخاصة بحركة المرور أو المتخصصة بالاتصالات المتقدمة، ومن ضمن الخطط الموضوعة هي الاستثمار في محطة الفضاء الصينية الخاصة وتشغيلها بقدرات عالية، وإجراء تجارب علمية مهمة على متنها.
لقد تحدثت سابقًا بأن البشرية بأكملها مهما اختلفت أجناسها وجنسياتها لديها حلم مشترك؛ حلم الفضاء والوصول لهذا العالم الكبير، وحتى الأصدقاء العرب كان لديهم صولاتهم وجولاتهم عبر التاريخ في اكتشاف الفضاء ووضع أساسياته العلمية والنظرية، وتشارك المعارف والخبرات والاستفادة من التجارب والعلوم المكتشفة في هذا المجال هو من يجعلنا نحقق حلمنا كبشرية، ولكم أن تتخيلوا حجم الفوائد التي ستضيفها الصين لعلوم الفضاء وللمتخصصين في هذا المجال خصوصًا وأن الصين تدعم مشاريع الفضاء بأقصى قدراتها وتدفع لإنجازاتها مهما كانت الظروف، وخلال السنوات الماضية لم توقف الصين أي مشروع من مشاريعها الفضائية رغم مرور العالم بظروف استثنائية معقدة إلا أن حلم الصين وحلم البشرية ما زال مستمرًا وما زال يحصد الكثير من الإنجازات.
الصين لديها طموحات كبيرة وتعمل بجد في مجال الفضاء، ويومًا عن يوم، تقدم للعالم إنجازات كبيرة في هذا المجال، وخلال السنوات القادمة ستفتح الصين أبوابًا علمية عديدة أمام المجتمع العلمي والبحثي، وتضع بين أيديهم حقائق يستفاد منها لتحسين حياتنا على كوكب الأرض.
* صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية ـ العربية