أبناؤنا..أمانة وثروة وطنية

سالم البادي أبو معن*

أبناؤنا فلذات أكبادنا، وهم أمانة ومسؤولية، فعلينا أن نُحسن تربيتهم ورعايتهم، ونعتني بهم ونوجِّهم التوجيه السليم.. يقول رسولنا الكريم مُحمد عليه أفضل الصلاة والسلام: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في بيت سيده وهو مسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته".

فكما أحسن الله تعالى رعايتنا، فلابد أن نُحسِن رعاية أبنائنا؛ لأنَّهم أعظم نعم الله تعالى وأجلها علينا، وأمرنا بالرعاية والعناية والاهتمام بهم، لكي تقرَّ أعيننا بهم، ونسعد بوجودهم بيننا؛ فهم ثمرة الحياة الدنيا وهم امتداد لسُنة الله تعالى في الأرض، التي استخلف فيها عباده ليعمروها حتى قيام الساعة.

ولا بد أن يُدرك الجميع ويعي تمامًا أن صلاح المجتمع والوطن من صلاح الأبناء، وفساد المجتمع والوطن بفسادهم؛ فالحرص على التربية الصالحة للأبناء ينشئ أجيالا قادرة على بناء أوطانها وصناعة حاضرها ومجدها ومُستقبلها.

لذا، تعتبر تربية الأبناء من الواجبات الكبيرة والأمانة العظيمة المنوطة بالوالدين، وهم مسؤولون عنها والعمل على تنشئتهم التنشئة الصحيحة والأخلاق الفاضلة وعلى الطاعة وعدم العصيان والبعد عن المعاصي والمُحرمات.

إنَّها واجبات جسيمة ومسؤوليات عظيمة، وهي وصية المولى عز وجل للوالدين، قال الله تعالى: "يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُم".. إنها أمانةً عظيمة في أعناق كل أب وأم، وسوف يسألون عنها أمام الله عزَّ وجلَّ يوم الحساب.

فكما أوصى الله تعالى الأبناء بالوالدين بالبر والإحسان والطاعة والتأدب، فكذلك أيضاً أوصى الوالدين بالأبناء عدلًا وتربيةً وحُسن تنشئة، قال ابن عمر رضي الله عنهما: "أدِّب ابنك فإنك مسؤول عنه يوم القيامة ماذا أدبته وماذا علَّمته، وهو مسؤول عنك عن برِّك وطواعيته لك"، ويقول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "من كانت له ابنة فأدَّبَها وأحسن تأديبها، وربّاها فأحسن تربيتها، وغذَّاها فأحسن غذاءها، كانت له وقاية من النَّار".

إنَّ هذا العصر ليس كالعصور السالفة والقرون الماضية، بل نحسبه أكثر خطرا على أبنائنا وبناتنا؛ فقد أصبح بين النَّاسِ سِباع عادِية، وذِئاب ضارِية، ووحوش جائعة، تترقب غيابَ الوليِّ الحامي، وغفلةَ الأبِ الحانِي.

ومن أهمل وترك ولدَه يقطع وادي السِّباع، ويلهُو بين الوحوشِ الجِياع، فقد باعَه وأضاعَه وخسره، وجعلَه لقمة سائغة لشرار الخلق، وهدفًا لمآربهم الدنيئة الخبيثة الكريهة.

ومن أهمل وتركَ أولادَه يهيمون في مواطن اللهوِ والإثم، ويتسكَّعون في مراتِع الفتن، ويقتحِمُون محارم النَّاس، يُصاحِبُون من شاءوا دون رقابة، ويخرجون من البيوت ويبيتون خارجها ويطول غيابهم دون مساءلة ولا رقيب ولا حسيب؛ فهذا الأب أو رب الأسرة قد عقَّهم وظلمَهم ووحده الذي يتحمل مسؤوليته.

قالوا قديما: "ابنِ ابنك ولا تبنِ له، استثمر فيه ولا تستثمر له".. فالاستثمار الحقيقي في بناء الأمم والأوطان يأتي من التركيز والحرص على بناء الإنسان ونموه وتأهيله وتوعيته وتدريبه وصقله بمهارات تمكنه من النهوض بنفسه ومجتمعه ووطنه؛ فالكثير من عظماء العالم كانوا متسلحين بالعلم والدين والأخلاق الحميدة.

فالتركيز على تنمية الأبناء عقليًّا من أساسيات الاستثمار البشري؛ فلا بد من حثهم على القراءة والاطلاع وإفهامهم بأنهم من أمة "اقرأ"، فبناء العقول قبل بناء القصور.

إذا كان العلم ضروريًّا لبناء الإنسان؛ فالأخلاق هي قاعدته ودعامته، ولا يُمكن الاستغناء عنها في أي حال من الأحوال؛ فهي مُكمِّلة للعلم، ولا قيمة للأبناء بدونها ولو أصبح عالماً.

فالأب الفاضل هو مُربي الأجيال، وهو يُدرك أهمية نقاط القوة والضعف لدى أبنائه، ويدرك الجوانب المُضيئة في حياتهم ومستقبلهم، فيضع بصمته، ويوجه هذا ويأخذ بيد الآخر إلى تقويم نفسه، ويرعاهم الرعاية السليمة الصحيحة حتى يرى ثمرة تربيته وحسن توجيهاته ونصائحه واقعاً تسرّ به نفسه وتقر به عينه في الحياة، فيفخر بذريته ويفخر أبناؤه به.

الأب هو بمثابة "رمانة ميزان البيت"، بفهمه ورجاحة عقله يكون البنيان قويا متماسكا عظيما شامخا، فصلاح الآباء من صلاح الأبناء والأسرة والمجتمع، والدعاء للأبناء هو من الشرع والأخلاق الحميدة وهو عامل للاستقرار النفسي والعاطفي للأبناء والتوفيق بيد الله تعالى؛ فالدعاء لهم يزيل الكدر والضيق والهموم ويُؤخر القدر.

الآباء وأولياء الأمور قُوموا بمسؤولياتكم وواجباتكم تجاه أبنائكم، وحافظوا على الأمانة العظيمة على عاتقكم، وخذُوا العبرةَ والعِظة، وكونوا ولاة حفظة، وعليكم بالحذرَ واليقظة، وكونوا قدوة حسنة.

أيُّها المعلمون الأوفياء، والأساتذة الأفاضل، والمربون النبلاء، عليكم دور كبير وأمانة عظيمة  ورسالة سامية في رعاية أجيالنا ونشئِنا وحماية شبابنا وأولادنا ومُجتمعِنا من كلِّ الأفكار الدَخيلة، والأخلاق الذميمة والسلوكيات البذيئة والفتن الدنيئة؛ فكونوا كما عهدناكم ووظِّفوا كل إمكانياتكم واهتماماتكم في تنشئة جيل واعٍ مدركٍ قادرٍ على بناء وطنه، ومتسلح بالعلم والمعرفة والخبرات العالمية التى تُكسِبه مهارات للنهوض بمستقبل الوطن.