ذات صِلة

سعيدة بنت أحمد البرعمية

عندما نقرأ أو نبحث عن موضوع ما في محرّك البحث، نجد أسفل الصفحة مواضيع ذات صلة؛ فنتناولها الواحد تلو الآخر، لنخلص إلى قراءة مجموعة من النصوص التي ليس لها صلة مباشرة بعملية البحث، إنَّما غالبا هناك توافق بين بعض مفردات العناوين مع الاختلاف البيّن بينها وبين ما نبحث عنه.

الصلة قد لا تمُتّ بصلة في كثير من الأحيان؛ فقد نجلس أحيانا مع من لنا به صِلة سواء من حيث القرابة بحكم النسب أو العمر أو الجنس أو من حيث المستوى الثقافي والبيئي؛ لكن الصلة تكاد تكون منقطعة أو تظل سطحية، كالسّمة المشتركة بين القمر والنجوم؛ فالنجوم تلمع؛ بينما القمر يضيئ، هناك فرق بالتأكيد مع وجود الخاصية المشتركة.

ومن جعل من نفسه ذا صلة لا شك أنه سيكسب الصلة و يخسر ذاته وفكره وكينونيته.

 

معنفات بحب

رأيتُ بأم عيني وعلى مقربة مني مجموعة من القطط المعنفة فكريا، تعنفهن قطة سوداء متسلطة، ذات مخالب حادّة ونظرة مريعة قابعة على عرش الوهم، متكئة على بالونات ملوّنة وفراغ.

ما لفت نظري أنّ القطة المعروفة بحركتها وكثرة مواؤها؛ أصبحت في حضرة القطة السوداء خرساء يملؤها الصمت والخمول، والأخرى المعجبة بالأسود يتلبسها الخوف والنفاق!

المفارقة العجيبة أنَّ القطة السوداء المتسلطة جبانة حدّ العجب، وفارغة حدّ الإفلاس؛ ويبقى الرضوخ لسلطة الجبان استفهام يعزف الضّياع على رُفات الإجابة!

 

التنمُّر اللغوي

يحلو للبعض التنمّر اللغوي؛ فيمارسون من خلاله بث طاقتهم السلبية في نفوس من توقعهم ألسنتهم في الأخطاء اللغوية، فينهالون عليهم بألفاظهم الساخرة مُقللين من انتمائهم البيئي واللغوي؛ لسبب أنّ ألسنتهم تحلحلت قليلا عمّا كانت عليه من التقويم، وفهمهم لبعض المفردات بات صعبا؛ ممّا يزيد السخرية منهم كلما أساؤوا نطق مفردة أو تعذر فهمها، وكثيرا ما يحدث هذا في حالة اختلاط ساكن المدينة بساكن الريف والعكس؛ فمثلا عندما يذهب ابن اللغة الذي سكن المدينة واصطبغ بصبغتها شكلا ومضمونا ويجلس بين أبناء لغته، يتفاجأ بأحدهم يردد خلفه بعض مفرداته ساخرا منه، فيُحرج الآخر ويحاول تصويب ما وقع فيه من خطأ إنْ استطاع، ويعتمد صموده أمام ذلك الاستهزاء على نوع شخصيته إن كانت تتحمل النقد أم لا.

لا أُنكر أنَّني أقع كثيرا في هذا الموقف، لكنّي أصمُد وأضحك معترفة بزلة لساني الذي هجر بعض المفردات أو يجهلها؛ فجعل من أخطائي جسرا يمتد بي إلى ألسنة المتنمرين.

قد يخلق هذا النوع من الاستهزاء في نفس متلقي السخرية إن كان متقبلا لهذا النوع من النقد، بعض الصمود والتحدّي لإثبات هويته اللسانية والبيئة، واستيعاب هدف الدرس القاسي النابع من الغيرة على اللغة، أو من وجود فرصة للتنمّر والاستهزاء، في المقابل هناك من لا يتقبّل النقد اللّاذع بهذه الطريقة المنفّرة؛ فيمضي فيما اعتاد عليه لسانه دون تقويم، ليبث بعناده رسالة " السخرية لا تجلب المعرفة".

قد تصل رسالته للمتنمّر؛ ولكن غالبا لا يُعمل بها ولن يتوقف الأمر على هذا، بل سيتم إقصاء انتمائه البيئي، كلما سنحت الفرصة بذلك؛ فيسمع بين الحين والآخر كلمات تتردد على مسمع منه" بَعِلْ حَلّتْ" إن كان المتنمّر من أهل الرّيف، أو كلمة "جَبّالي" إن كان المتنمّر من أهل المدينة.

 

بالحبر يعبثون

مررت بجانب باب مكتبة ذات مساء، رائحة الورق غيّرت مساري؛ فوجدتني بين الكتب، قلّبت بصري يمنة ويسرة، فلم أر ما يملك بصري، شعرت لوهلة وكأنني في "سوق عطية" حيث تتشابه البضاعة!

اتجهت نحو الباب، فامتدّ بصري لكتاب على الرّف أمامي بعنوان "بالحبر يعبثون" تناولت الكتاب وأخذت أتصفحه؛ فإذا بصفحاته بيضاء دون محتوى، سوى بياض الورق ورائحتها المثيرة، باستثناء صفحة الملخص، فقد كُتِبَ عليها عبارة "العبث بالحبر جريمة قد لا يحاسب عليها القانون؛ لكنّها جريمة جنائية في حق الورق".

 

في ملعب الخريف

صفّر نجم النعائم وبدأت المباراة بتصفيق حار من السّحب والضّباب والنّسائم، نزل الرذاذ واخضرّت الأرواح، ونمت على جدرانها الذكريات وبعض الشجن، كانت المباراة ودّية إلى حدّ ما؛ لكن اللعب يصل في النهاية إلى فوز وخسارة، فتقدم فريق الذكريات على فريق الأرواح بهدفين أحدهما من ضربة جزاء، مقابل هدف نظيف من قِبل الأرواح، استطاع أن يهز شباك الذكريات بسكونه الثائر.

 

المفردات

سوق عطية: سوق للوازم النسائية بمحاذاة شارع السلام في مدينة صلالة، يمتاز بنشاطه التجاري وتشابه بضاعته.