هوس الذات

عائض الأحمد

هكذا هي الحياة، ساعة لك وثماني لغيرك، والجميل فيها من اتخذ منها العبرة ووضع الثقة جانبًا ليتكئ عليها بعد انفضاض وانحسار فورة الخلان.

تسعٌ لك والعاشرة لمن دعت عليه أمه ورُفضت قضيته وتبرأ منه الأصحاب قبل الأعداء.

تقلبها أفكار وتأخذها على محمل صدق ظاهر يتخللها غدر "لطيف" يمر كنسمات هواء عليل يصيب رأسك بدوار لن تفيق منه ولو بعد حين.

كُنت أحد أبطال ذاك المسرح، يومًا تسرح وتمرح ولم تكن تُلقِي بالًا لضحكات الجمهور، مُستمتعاً بكل ما حولك في ظل غياب رقيب الذات، أخذتْ تتعالى صفعات المهللين دون أن تنساب فكرة الرحيل أو تعلو محياك غصة غاضب من نقد أو كلمة أدمعت عين بريء.

عندما يكون سلاحك صمتك يغلبه حديث ذات منكسرة تستذكر أيامك الخوالي في أحضان مرتزقة الأنعام وطالبي المتعة المبتذلة تنهار أحجية الباقي لكم عِوضًا غير مسبوق الدفع، وكأنَّه عقاب إلهي ليس لذنب ارتُكِب أو سرقة قلب اقترفت، وإنما لحياة بعثرها ألم فراق، يستحق فاعلها الشنق في ميدان عام، أسوة بمن قتل رجلا لم يكن يعرفه يومًا، وكل ما في الأمر أنْ التقاه صدفة، قتلت معها كل المواعيد وأحرقت موطئ قدميه فلم يجد بعدها ساحة تحمل أوصاله، أو تحتمل مقامه، فبلعته أرضها وانهارت عليه رمالها، واخضوضرت تربته بماء آسِنَ لم يكن يعلم مصدره، فطوته الأيام وكتبته في صفحاتها، كما طوت غيره  ممن مرَّ من هنا وتاه في مقابر المنسيين، دون أن ينزف له قلب أو تذرف له دمعة عين.

الأقدار تحمل لك نتائج أفعالك، فإنْ خير فكان، وإن شر فهو صنيعة أفعال لعلك لم تخطط لها ولم تكن تعتقد ضرورة نتائجها، الواقع تفرضه معايير البقاء فانظر أيهما يجلب المصلحة وليس أيهما يُسعِد الآخرين، كلما صعدت إلى الأعلى اقتربت النهاية وأصبح السقوط حتميًّا، لن تبقى طويلا في أماكن لم تُخلق لك، فالسعادة نقيضة الحزن، وإن كانت مُرَّة كالدواء ففيه شفاء وتأمل وعودة.

لا تهب قلبك لعابر فيرحل ويأخذ معه متعتك، فيشمت بك قوم "السبت" ويتربص بك "الأحد".

وختاما.. يُقال: "سيف تضرب به خير من سيف توعد به".

--------------

ومضة: ليس على العاشق من حرج.

--------------

يقول الأحمد: "ستبقى الذكريات مهما تعثرت الأقدام".