أضغاث حياة ملتوية!

أمل اليافعية

دائمةَ السرحان في عالم بناه خيالها الواسع، تَرَى تلك العجائب تجوب حولها وترتفع في سماء غرفتها: مُتضادات، ومتجانسات، متماثلات ومختلفات، تتراقص الكلمات بخفة، وتتبعثر الألوان بحمق طفل يلهو بالطين، تُحلِّق بعيداً عبر جدرانها أبعد ما يمكن عن واقعها الممل. تُداعب دغدغات أفكارها، وتهاجم لدغات منتقديها بفرشاة رسمٍ سوداءَ ملونة، أو بقلم حبر مسنّن ناعم، وربما بخيط وخرز مُبهرج باهت، أو حتى بلقاء افتراضي مثير وساخر عبر شبكات المخيّلة اللامحدودة.

كلما اجتازتْ حواجز الوحدة، وعبرت عتبات التوتر وقهرت عراقيل المُترَقِّبين وتخطت أسوار المُقَلِّدين وتجاهلت شِباك المُتَكَرِرين، سُحِبَت من شعرها؛ لتنحني رغماً عنها، لواقع المقبول والمسموح والمباح، تُرغَمُ على السكوت بشفاه الحسرة ولسان العيب والممنوع.

كيف تقنع روحها الجاسرة بالرضوخ تحت وطأة النقد اللاذع، والمقارنات الجارحة دون أن تنبس ببنت شفة!

لا، لن تصمت بسبب شَعرِها البائس، لن تتركه وسيلة، ليستغل به سكوتها لكسرها، وخذل روحها، ومنعها من التحليق بِحُرّية.

فبدأت بشدّ شعرة واحدة من مقدمة الجانب الأيمن لرأسها، وكأنها تنتشي بالألم الصغير، وكأنه مُسَكِن للأعصاب، أحَسَّت بقشعريرة مريحة،  حتى حين نظرت إلى بصيلة تلك الشعرة المتكسرة بين طرفيْ أصبعيها، لم تشعر بألمها لأنه لم يكن ينبع من هناك، بل من اللدغات الساكنة برأسها، فشدّت الأخرى، فالأخرى، وتوالت أناملها تسحب تلك الشعيرات بلا وعي، حتى انتشت بنَفَسٍ عميق، وكأنها استنشقت الطمأنينة، كنفحةِ نسيمٍ عليل، في عالمها ذاك، وهدأت قليلاً لتفتح عينيها، وترى حفنة الشعيرات متناثرةً على أوراقها المبعثرة بسطح مكتبها الهادئ.

لم تجرُؤ على رفع عينيها عن الشعيرات، كيف تكاثرت بهذا الكم من رأسها بلا شعور! ما الذي تبقى منه على رأسها إذن؟ حتى جحظت عيناها في لحظة إدراك، مفجوعة من هول الاستيعاب! وركضت نحو المرآة لتحدق في الذي أراحها قبل ثوانٍ، وجعلها تشعُر بخِفَّة في جوفها وكأنها قد دحرجت وجعها خارجا، وتنمّلت اللدغات في رأسها، حدّقت في تلك الفجوة المسطحة، تحسستها بسبابتها متأملةً أن تشعر بملمس شعيراتها التي لا أثر لها، متناثرة خلفها، شعرت بذلك التنمّل في أطرافها يصل لأقدامها، وخارت قواها لتقعد على طرف سريرها مفكرة، هل كانت راحتها تلك من الانتشاء ذاك؟ أيستحق المنظر هذا؟ هل سيتوقف شدّ الشعر إذا لم يتبقَّ هناك ما يُشَدّ، أم ستصاب بنوبات تأنيب الضمير عند فقد بقية الشعيرات؟!

هي أضغاثُ حياة ملتوية بوصمة مشاعر مكبوتة، قد لا تستطيع هي أن تفك شيفرتها، وربما كلماتها تبدو كلغة قديمة تتضارب أحرفها أمام عقلها الصغير، فتحاول أن تتدارك ذلك بأن تهرب لشاطئ تُشرق شمسه مسقطة جمالها على موج تلاطم في إتزان، ولكن ما عكَّر صفوه هي تلك العادة التي باتت نوعا من الإدمان، لكنها بولع شغفها، وبقوة قلبها وجسارة فكرها، وعقلها الذي حين يشع ويتلألأ في أذهان من لم يستوعب عقلها يوماً؛ سترتدي التاج المرصَّع بجواهر الإبداع، دون أدنى تفكير لمبدأ انتقام، أو عَبرة مكسورة للنوم أو ممارسة تسلط قاس على الغير.

تعليق عبر الفيس بوك