الحارث ورماح

عائض الأحمد

تقول العرب -وفيهم من لا يزال على قوله: "ثابت الخطى ينهل من نهل أبيه وجده"، "لك من اسمك نصيب قد يصيب وقد يصاب به"، وكان ذلك فعل صديقي المصيب غالبا أبو الحارث ورماح، ربما ظن أحدكم أنه معلم لغه عربية، يستمتع ويطرب بما تخفيه من معانٍ، ليس ذلك صاحبي!!! هو أشمل وأعمق بكثير، صقلته الحياة أكثر مما كنت أعتقد، وهو القريب المقرَّب دائما، ولأن حديثه ذو شجون وسلطانه الذاتي يهيمن على حواسه ويقلب أفكاره، فتجنح تارة ويعقلها أخرى، فهو يحسب خطواته وكأنه يعدها عدًّا، فإن زادت أحجم، وإن قلت وقف مستغربا كيف أقع في هذا الزلل.

وكأنَّ الحارث كما يردد دائما لم يكن اسما فقط، بل لحظة صفاء أمضاها متعلقا بصدق القول وحسن العمل، أخفاها بقولنا له: "أبا الحارث" أصدق الأسماء كما ورد في بعض الأثر.

ونحن لم نَرك يا صديقي غير صادقا صدوقا فمضى على بركته، نهجا ومنهجا فقد وافق الاسم فعلا وخبرا.

أما "رماح"، فكان له شأن آخر وفصل من فصول الحياة تأتي وتذهب مُخلِّفة ما يعلق بها من ضيق ذات اليد، حزنا وألما، فما كان سيستنهض الهمم إلا صوت ذاك الطفل القادم، وأنا في لحظات انكسار والحديث له، آبت الرماح أن تنحني لها وتصغي إلى لحظة ضعف إنسانية ليست سوى "نفحة" عابرة أخذها "رماح" بكفه الصغير ومضت الحياة على يد خيال فارس لم ينكسر له رمح أو يصدأ، وهو يقف شامخا بين فارسين يقول أحدهم للآخر "أنت ابن أبيك، فنعم الأب ونعم الأبناء".

حين تقف متأمِّلا مسارك في هذا الكون بعد عمر، فأنت بين خيارين؛ أحدهما ضاحك مستبشر، وثانيهما متأمل مستغرب، هل فعلت ما كان يجب فعله؟ وهل نلت ما كنت أستحقه؟ وأيهما كان جوابك، فثق بأنك نلت ما تستحق، وليس لنا على الأقدار بصيرة، نحن نقف هنا الآن.

من جعل من نفسه أداة هو من سمح باستخدامها، فلماذا تنعت غيرك بالجبن وأنت صانعه؟!

ومن فرش بساطه، عليه أن لا يسأل من سيطؤه بقدميه.

وختاما.. دعنا من كل هذا وخذ ما تريد، يقولها اليأس عندما تُعجِزه الكلمات.

-----------------

ومضة: "ربما تختار الخطأ لتُسعِد آخرين، لن يتقبلوا منك صوابًا يجهلوه".

-----------------

يقول الأحمد: "تضطر أحيانا لوضع فاصلة بين ما تود فعله وما تسطيع قوله، ليس ضعفا يعتقدوه فهذا شأنهم، وإنما وقفة قد يخلفها ما لم تتوقعه، فإنْ كانت الشتائم سُنَّتك فاجعلها لك وحدك، وإن كانت زلة لسان فالعفو سُنة المحسنين، وليس بعد ذلك من حرج".