سارة بنت علي البريكية
كانت الأيام تمر بنا ولا نحس بأن أعمارنا في انتقاص. كنا سعيدين لدرجة لم نتوقع أن يفرقنا القدر. كنت في كل عيد أحضر لك الهدايا وكنت تسعد بها كثيرا، وكنت تقول: "أريد عمامة صوف بيضاء".. كنت ابحث عنها دائما وكانت أول شيء أشتريه واقتنيه لك بالإضافة للاكسسوارات الأخرى. ولا أنسى أن أطبع قبلة على رأسك كلما أتيت لزيارتك وكان لساني وقلبي يقول: جدي جدي!
مرت شهور على رحيلك إلا أنني لازلت أراك أنك العيد الذي نبحث عنه ونلجأ له وكأنك موجود بيننا في منزل عمتي ليلى أو عمتي معصومة أو منزلنا مع والدي وستذهبون هذا العيد للسلام على المكرم الشيخ سعيد بن محمد البريكي فهو من أبناء عمومتك وأنتم حريصين على الزيارة والسلام.
كيف لي أن أنسى صورتك المرسومة في قلبي ووجداني وأنت متربع عليه، وآخر لقاء جمعنا وأنت تنظر إليّ نظرة الوداع، كيف لأبي أن يذهب هذه المرة للسلام وحيدا وكيف سيلملم جراحه فقد كنت حبيبه وأباه.
هكذا الموت يفرقنا عن أحباب لنا كانوا بيننا وأصبحوا في دار أخرى لا نعلم عنهم شيئا وما نملك لهم إلا الدعاء فإن الله قريب سميع يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
ونحن نستعد لاستقبال عيد الأضحى المبارك كانت السيدة هاجر- عليها السلام- تهرول بين الصفا والمروه وحيدة تبحث عن مخرج وعن ماء لتسقي به ابنها إسماعيل بعد أن تقطعت بهم الأسباب والسبل وبقيا وحيدين في صحراء خالية فأي عظمة هذه التي حدثت وجعلت من سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل ذكرى واحتفالية مهمة يحييها المسلمون كل عام من مشارق الأرض ومغاربها يطوفون ويلبون ويرمون ويقفون وقفة يوم عرفة وفي قلوبهم من الشوق آلافًا.
يتنابني الحنين لسكيك وشوارع حيّنا القديم- أم الجعاريف؛ حيث كان للعيد طعما وكنا أطفالا لا نعلم من هذه الحياة إلا الإبتسامة والفرح. نصحو في صباح العيد مبكرين، نلبس الجديد باللون الأصفر، ونوحد اللون ونذهب عند مصلى العيد للسلام على رجال ونساء الحي الكبار لكي نحصل على العيدية وبعدها نطوف البيوت بيتا بيتا- سكة سكة- لنجمع أكبر قدر من العيدية. كنا نصطف طوابيرا ننتظر أهل المنزل الذي نزوره أن يمدون علينا بالعيدية. كان المنزل الذي يعطينا نصف ريال هو منزل الشيوخ وكبار القوم وكم كانت تغمرنا السعادة برؤية العيدية الجديدة لنشتم رائحتها قليلا ونقلبها بين أيدينا فرحين مسرورين.
كم أذكر حفلات العيود التي تحدث في حديقة صحار والتزاحم الشديد لرؤية الحفل من مكان أقرب، ولكن ذلك المشهد الذي لا يغيب عن مخيلتي عندما علقنا في زحمة الناس وكاد يغمى على أمي وعلي، وانتشلونا من بين الحضور ليُسلّم علينا المذيع المتألق عبدالله الذهلي، ويقول: "اعذرونا على ما حدث وقتها". حدثت نفسي وقلت يجب أن أكون مختلفة لكي لا يتكرر هذا الموقف لي ولأمي ومنها أصبحت شخصية معروفة، وكنت أقدم حفلات العيود في حديقة صحم وتلتها مشاركات عدة ودعوات مهمة لحضور أمسيات شعرية على مستوى الوطن فكنت في كل مرة أقول: نعم لقد فعلتها ولم أعد كباقي الحضور!
ذكريات الأعياد كثيرة ولكن أجملها أن نسعى في تحقيق السعادة للآخرين من هنا أوجه كلمة للجميع أن نتكاتف ونهب لمساعدة الآخرين ونقف وقفة واحدة ونتصدق وندفع ونحاول أن نضيف البسمة، فهذا بحد ذاته عيد. إن كلمات الشكر لا تفي الفرق والجمعيات الخيرية التي تتكاتف لإسعاد وفك كرب المحتاجين وبعض المساجين والمسرحين عن العمل، ولو كانت كل مؤسسة تساهم بجزء من المال لإخراج أحد السجناء المغلوب على أمرهم لكانت الدنيا بخير؛ حيث إنه ليس من العدل أن يبقى سجين واحد بعيد عن أسرته بسبب مطالبات مالية بسيطة جدا. إن عمان وشعبها الأوفياء قادرون أن يكونوا يدا بيد للتفريج عن الذين هم بحاجة لوقفتنا الجادة معهم.
ختامًا.. أقول كل عام وجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بألف خير وجميع أفراد الأسرة المالكة والشعب العماني أجمع والعالم الإسلامي بألف خير ودامت أعيادنا ونحن نرفل بثوب العز والمجد والسؤدد ورحمة الله تغشى سلطاننا الخالد قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه.